الإنسان في الإسلام

الله تعالى خلق آدم بيده -كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم- ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، ثم جعل ذريته مكرمين، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70] والله تعالى من فوق سبع سماوات يخاطب هذا الإنسان، وهذا أعظم تكريم متصور للإنسان أن الله سبحانه وتعالى الغني القدير الكبير المتعال يتلطف على هذا العبد الفقير الضعيف فيقول له: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] إذاً الإنسان -والجن أيضاً- هو الكائن الوحيد المكلف المبتلى {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:2] فهو الذي كلف بمسئولية وقيل له: إذا قمت بهذا الواجب فلك الأجر العظيم، وإذا قصرت به أو تخليت عنه؛ فالويل لك يوم يقوم الناس لرب العالمين.

حتى صورة الإنسان وشكله متميز؛ كما قال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] نعم، ليس الإنسان في خيلاء الطاووس، ولا في قوة الفيل، ولا في خفة الطيور، ولكن يبقى خلق الإنسان خلقاً متميزاً معتدلاً مكتملاً؛ حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روى البخاري وغيره: {إذا قاتل أحدكم أخاه -أي ضاربه- فليتق الوجه، فإن الله سبحانه وتعالى خلق آدم على صورته} أي: خلق الإنسان سميعاً بصيراً مكتمل الحواس، وجعل كرامة الإنسان أكثر ما تكون في وجهه، ولهذا كان السجود الذي هو أعظم عبادة هو انحناء الإنسان لربه ووضعه جبهته في التراب لرب الأرباب.

ولهذا -أيضاً كما في صحيح مسلم- {لما مرت جنازة قام لها الرسول صلى الله عليه وسلم فقيل له: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي.

فقال عليه الصلاة والسلام: إن للموت لفزعاً -وفي رواية- أنه قال: أليست نفساً؟} فقام وأمر بالقيام للجنازة، وكثير من أهل العلم يقولون: إن هذا الحكم باق غير منسوخ، وأنه يستحب للإنسان إذا رأى الجنازة أن يقوم لها.

إذاً كرم الإسلام الإنسان من حيث هو، ولو نظرت إلى تكريم الإسلام لفئات خاصة من الناس كالعبيد الأرقاء أو الأيتام أو الضعفاء أو المعوقين أو النساء، أو غيرهم، أو الفقراء لوجدت أمراً عجباً، فكيف بتكريم الإنسان العادي؟ وفي خطبة الوداع التي كانت هي آخر خطبة ألقاها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه أرسى -عليه الصلاة والسلام- دعائم الحقوق الإنسانية بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية كلها، لا، بل بصورة لم تسبق ولن تلحق أيضاً: {أيها الناس: أتدرون في أي شهر أنتم؟ وفي أي يوم أنتم؟ وفي أي بلد أنتم؟ قالوا: في شهر حرام وفي بلد حرام، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا لا يحل مال مسلم إلا بطيب نفس منه، وإن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هاتين إلى يوم القيامة، ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم، واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان -أي أسيرات- لا يملكن شيئاً، وإن لهن عليكم حقاً، ولكم عليهن حقا} .

فذكر الحقوق صلى الله عليه وسلم، ذكر حرمة الدماء بمنع القتل أو الجرح أو الاعتداء، وذكر حرمة الأموال بمنع أخذها أو ابتزازها أو نهبها أو سرقتها أو الحجر عليها، وذكر حرمة الأعراض بتحريم الاعتداء عليها بالقذف أو بالسب أو بالشتم أو بالزنا أو بغير ذلك، وذكر مسألة العلاقات الاجتماعية التي تحكم المسلمين، تحكم المسلم مع أخيه، وتحكم الرجل مع زوجته، وتحكم الوالد مع ولده، إلى غير ذلك، ولم تكن خطبة الوداع هي الموقف الوحيد الذي حدد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الحقوق؛ بل إنه حددها في أحاديث ربما لو جمعت لكانت في أكثر من عدة مجلدات وكلها تتعلق بحقوق الإنسان سواء الحقوق العامة أم الحقوق الخاصة لفئة معينة، كحقوق المرأة أو حقوق العامل أو حقوق الجار أو حقوق اليتيم أو حقوق الزوج أو غير ذلك.

وأستطيع أن أقول تبعاً لما قرره عدد غير قليل حتى من فقهاء القوانين اليوم: إن هناك حقوقاً كثيرة جاء بها الإسلام لم تفلح البشرية حتى الآن في المطالبة بها، فمثلاً: حق ضعاف العقول في الرعاية: هذا جاء به الإسلام ولم ينص عليه إعلان حقوق الإنسان، مثل حق اليتامى، حق الجار، حق القريب، حق الإنسان في الدفاع عن نفسه، حق الإنسان في العفو عمن ظلمه، حق الميراث للورثة رجالاً أو نساءً من الأقربين، كل هذه الحقوق لم تأت بها القوانين الوضعية، ولا إعلانات حقوق الإنسان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015