قدم مسألة حقوق الإنسان

أولها: أن مسألة حقوق الإنسان مسألة قديمة ترجع إلى أقدم العصور، فليس البحث فيها بحثاً جديداً وليد اليوم أو وليد هذا العصر، فقد جاءت الرسالات السماوية كلها من لدن آدم عليه السلام وإلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم لتكرس حقوق الإنسان وتبين فضيلته، وأن الله سبحانه وتعالى خلقه من طين الأرض، ثم نفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، واستخلفه على هذه الدنيا.

أما فقهاء القوانين الوضعية فلعلهم لم يعرفوا الاهتمام الحقيقي بهذا الموضوع إلا في أواخر العصور الوسطى، عصور التخلف والانحطاط في أوروبا، حين وصل استبداد الحكام وسيطرتهم ووصل بأمراء الإقطاع إلى الغاية، وفقدت -تلك الشعوب الأوروبية الكافرة- معظم ما يجب أن يتمتع به الإنسان من حقوق؛ وبذلك اندفعت إلى إعلان الثورة على حكامها من الكنسيين والطغاة الماديين، وأطاحت بهم، وسيطرت على مقاليد البلاد، ثم كان من جراء ذلك إصدار ما يسمى بإعلانات حقوق الإنسان، هذه الإعلانات: التي تضمنت بعض ما يجب للإنسان، كالإعلان الفرنسي الشهير الذي لم يكن صدر إلا بعد الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وكان آخر تلك الإعلانات الإعلان العالمي الشهير: (بإعلان حقوق الإنسان) الذي صدر من الأمم المتحدة في أواسط القرن العشرين، عام خمسة وأربعين وتسعمائة وألف، وكان ذلك في أعقاب حرب عالمية دامية ذهبت بالأخضر واليابس، وذهبت فيها آلاف بل مئات الآلاف من الأرواح والضحايا.

إن حقوق الإنسان التي هي موضوع حديثنا اليوم، كلمة طالما تغنى بها الشعراء، وتكلم عنها الأدباء، وبحث فيها الفلاسفة، وتكلم عنها المصلحون وعلماء الاجتماع وعلماء الاقتصاد وغيرهم، فهي بيت القصيد لكثير من البحوث والأحاديث؛ فلا غرابة إذاً أن نعقد هذه الجلسة للكلام عن حقوق الإنسان في الإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015