تشاغل الكفار بما ينفعهم دنياً أدى إلى تقدمهم

ويؤسفني أن أقول: أمم الكفر من اليهود والنصارى اليوم في بلاد الغرب تشاغلوا بالأمور الدنيوية، فسخر الله تعالى لهم من هذا الكون المادة، فاستفادوا منها وانتفعوا أيما انتفاع، فغاصوا في أعماق البحار، وصعدوا إلى أجواء الفضاء، وتقدموا في ألوان العلوم، واستطاعوا أن يستفيدوا من ذلك في التسهيلات الحضارية التي انتفعوا بها هم كثيراً، وانتفع بها غيرهم، واستطاعوا أن يحفظوا مكانتهم، ويحققوا لأديانهم وعقائدهم وأفكارهم انتصارات عسكرية بسبب ما ابتكروه واخترعوه.

وذلك لأنهم تركوا التشاغل بغيرهم، وقد أصابوا من جانب وأخطئوا من جانب، أصابوا من جانب الاشتغال بهذه العلوم الدنيوية المفيدة، وكان يجب على المسلمين وما زال يجب أن يشتغلوا بها، ويحققوا أكثر مما حقق هؤلاء، ولكنهم أخطئوا من جانب آخر، وهو أنهم تشاغلوا عن العلوم الأخروية الموصلة إلى رضوان الله تعالى، فصدق عليهم قول الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] .

فهم لا نصيب لهم في الدار الآخرة، إنما نصيبهم في هذه الدنيا، أما الأمم المسلمة فأخشى أن تكون في بعض مظاهرها خسرت هذا وذاك، فهي لم تفلح في إعزاز دينها ولم تفلح في تطوير دنياها مع الأسف الشديد.

إذاً العلم قرينة العمل وهو ثمرته، والعلم والعمل اسمهما الفقه، وفي الصحيحين من حديث معاوية: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} وأنت في صلاتك تقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] وما الصراط المستقيم إلا العلم والعمل بالهدى ودين الحق، ولهذا قال تعالى: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً} [آل عمران:80] .

نزلت هذه الآية في أهل نجران عندما قالوا: يا محمد! -وهم نصارى- هل تريد أن نعبدك؟ والنصارى عبدوا عيسى، وقيل: نزلت في من يقول: يا رسول الله! ألا نسجد لك كما يسجد النصارى لزعمائهم؟ فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: {لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها} فاليهود والنصارى ضلوا بترك العلم كما فعل النصارى، أو بترك العمل كما فعل اليهود فأنت تقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] يعني: صراط العلم والعمل {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] ممن تركوا العمل وهم اليهود {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] الذين تركوا العلم وهم النصارى، فإن حصلت العلم والعمل فأبشر بالخير الكثير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015