الوقفة الخامسة مع العبادة والاستعانة

الوقفة الأخيرة: وكان حقها أن تكون قبل الأخيرة في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فإن هذه الآية فيها معنى من أعظم المعاني، ففي أولها الاعتراف لله تعالى بالعبودية وأن الإنسان لا يعبد إلا الله، وهذا أصل التوحيد، وما بعث الرسل إلا بهذا الأمر العظيم: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} [هود:2] والشرك في الألوهية من أخطر ألوان الشرك الذي بليت به الأمم كلها حتى تسرب إلى الأمة الإسلامية، فصار كثير منهم يعبدون غير الله.

فالشرك في الألوهية هو أخطر ألوان الشرك على الإطلاق؛ لأن قضية الربوبية وهي الاعتراف بالله عز وجل هذا موضوع تقر به الفطر والنفوس، ولا يحتاج إلى تقرير كبير، وموضوع الأسماء والصفات أيضاً حصل فيه انحراف ولكنه لا يقاس بالانحراف الذي حصل في موضوع الشرك في توحيد الألوهية، ولهذا ينبغي أن نعتني كثيراً بدعوة الناس إلى توحيد الألوهية، لأنه أصل الدين وأساس التوحيد.

فقولك: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5] قُدّم الضمير فيه: إشارة إلى التخصيص، أي: لا نعبد إلا إياك، لا نعبد إلا الله، فهو حصرٌ وقصرٌ.

{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أي: لا نطلب إلا عونك، فلا نستعين بغيرك، ولا نستغني عن فضلك، فمن الناس من يستعين بغير الله، وهؤلاء ما حققوا: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ومنهم من قد يستعين بالله وبغيره، ومنهم من قد لا يستعين بالله تعالى فلا يكون حقق هذا، فقولك: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فيه إثبات الاستعانة بالله ونفي الاستعانة عمن سواه.

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: {هذا بيني وبين عبدي} فقول: "إياك نعبد" هذا حق الله تعالى على العبد كما في حديث معاذ: {حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً} فأنت تقر به وتعترف في قولك: "إياك نعبد" وأما قولك: "وإياك نستعين" فهو استعانة العبد بالله عز وجل؛ إذ لا قوام له حتى على التوحيد إلا بعون الله: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43] فضلاً عن غيره من أمور الدنيا والآخرة.

خاتمة: أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن هدوا إلى الصراط المستقيم، ورزقوا العلم النافع والعمل الصالح، وجنبوا طريق المغضوب عليهم والضآلين آمين! كما أسلفت إن شاء الله في الأسبوع القادم في مثل هذا اليوم سوف نقرأ الوجه الأول من سورة (ق) وهكذا نظل في كل أسبوع -إن شاء الله- نقرأ وجهاً.

ولا يغيب عن بالكم استحضار النية الصالحة في هذا المجال؛ فالعبد الآن يقرأ كلام الله ويسمع شرحه وتفسيره، فإذا استحضر النية رجا أن يكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: {ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم الخ} فيرجو العبد الرحمة ونزول الملائكة، وأن يذكرنا الله فيمن عنده، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015