الجانب الثالث: هو أن التربية الإسلامية تحرص على تفجير منابع الخير عند الإنسان وذلك بكثرة طرق الخير من الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وطلب العلم والإحسان وغير ذلك، بحيث أن كل طاقة موجودة عند الإنسان يجد لها مصرفاً يصرفها فيه، ويشعر أنه يخدم الإسلام من خلال تصريف هذه الطاقة، ولا شك أننا نجد كثيراً من الناس وخاصة الشباب يتمتعون بطاقات كبيرة جداً، بطاقات جسمية، وعقلية وغيرها.
فحين لا يوجد من يستثمر هذه الطاقات تجدها تتسرب وتذهب إلى مجالات وجهات ليست محمودة؛ فتضيع مثلاً في الركض وراء الكرة ركضاً مبالغاً فيه، أو تضيع في الركض وراء الشهوات وإشباع الغرائز، أو تضيع وراء قضاء الأوقات مع الشلل والأصدقاء المنحرفين، أو تضيع بأي صورة من الصور، إن لم تجد المصرف الصحيح الذي تصرف فيه وتوجه إليه، لكن الإسلام والتربية الإسلامية الصحيحة أوجدت المجالات التي يمكن استثمار هذه الطاقات من خلالها، وأضرب لذلك بعض الأمثلة: فمثلاً نجد الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: {من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من الجنة: يا عبد الله هذا خير والمقصود بزوجين، أي: شيئين اثنين من أنواع الخير كأن ينفق درهمين أو دينارين أو بعيرين أو غير ذلك، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان.
قال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه يا رسول الله! ما على أحدٍ دعي من هذه الأبواب من ضرورة -يعني: من أي بابٍ دعي الإنسان ما دام أنه سيدخل الجنة فليس عليه من بأس، إن دخل من باب الصلاة أو دخل من باب الزكاة أو من باب الصوم أو من باب الجهاد أو من غيرها- فهل يدعى أحدٌ منها كلها، قال صلى الله عليه وسلم: نعم وأرجو أن تكون منهم.
} .
إذاً: طرق الخير كثيرة وقد يشعر الإنسان بأنه يستطيع أن يساهم في مجال معين من مجالات الخير وقد يشعر بأن عنده طاقاتٍ كبيرة يمكن أن يصرفها في العديد من المجالات، ولذلك كان أبو بكر ممن يدعى من أبواب الجنة كلها، فكل ملأ من الملائكة عند بابٍ من أبواب الجنة يدعونه ويقولون له: يا أبا بكر هذا خير فتعال وادخل منه، وهذا لا شك أن فيه مزية وفضل لـ أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وهذا ليس بغريب فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: {من أصبح اليوم منكم صائماً؟ قال أبو بكر ٍ: أنا، قال: من تصدق منكم اليوم على فقير؟ قال أبو بكر: أنا، قال: قال: من عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من اتبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة} .
لقد سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أربعة أسئلة: من أصبح منكم صائماً؟ من عاد منكم مريضاً؟ من تبع جنازة؟ من تصدق منكم على فقير أو مسكين؟ كلها يقول أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فبشره بعدها النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.
هذه الوسائل الثلاث وغيرها هي من أهم الوسائل التي استعملها النبي صلى الله عليه وسلم في بناء وتكوين أصحابه، ولذلك نجد أن أمهر وأقوى خريجي المدارس هم خريجو المدرسة المحمدية الذين تخرجوا على يدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ورباهم على عينه، ودائماً قوة المدرسة تعرف من نتائجها.