روى الإمام عبد الله بن المبارك رضي الله عنه وأرضاه في كتاب الزهد أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال للحواريين: لا تأخذوا ممن تعلمونهم أجراً إلا مثل الذي أخذت منكم، فما هو الأجر الذي أخذه عيسى من الحواريين حين علمهم الإسلام؟! بمعنى آخر أنه لم يأخذ منهم أجراً مادياً دنيوياً، وهذا شأن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] وكان كل نبيٍ يقول لقومه: {لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} [هود:29] فعيسى عليه السلام لم يأخذ من الحواريين أجراً وهو يعلمهم الإسلام، فيقول لهم: حين تعلمون الناس الإسلام لا تأخذوا منهم أجراً إلا مثل الأجر الذي أخذت منكم، بمعنى: إنني لم آخذ منكم أجراً حين علمتكم، فكذلك أنتم لا تأخذوا من الناس أجراً حين تعلمونهم، ثم يقول بلهف: ويا ملح الأرض لا تفسدوا -يخاطب الحواريين، والحواريون هم -كما تعلمون- خاصة عيسى عليه السلام وبطانته ومقربوه؛ وهم الذين قاموا بالدعوة وبعثهم إلى أنحاء الأرض ينشرون الدين فيه، فهم الفئة القليلة الذين ينهون عن الفساد في الأرض، فهو يقول لهم: ويا ملح الأرض لا تفسدوا فإن كل شيءٍ إذا فسد فصلاحه بالملح، فإذا فسد الملح لا يصلحه شيء، ثم يقول لهم: واعلموا أن فيكم خصلتين من الجهل: الخصلة الأولى: هي الضحك بغير سبب، والخصلة الثانية هي: الصبحة من غير سهر.
ما هي الصبحة؟ هي ما نسميه نحن بالسفرة، وهو النوم بعد صلاة الفجر، فهذه الكلمة من عيسى عليه الصلاة والسلام يهمنا منها قوله: ويا ملح الأرض لا تفسدوا وقد نظم هذا بعض السلف بقوله: يا معشر القراء يا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد