أمنية عمر

فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يجلس في مجلس مع بعض الصحابة فيقول لهم: تمنوا، فقال أحدهم: أنا أتمنى أن يكون لي ملء هذا البيت ذهباً أنفقه في سبيل الله.

وإنها أمنية طيبة ولا شك لكنها لم تكن هي الأمر الذي يشغل بال عمر رضي الله عنه، فقد كان يشغل بال عمر أمرٌ أغلى من الذهب فأعاد الكلمة مرة أخرى: تمنوا، فقال آخر أنا أتمنى أن يكون لي ملء هذا البيت جوهراً وزبرجداً أنفقه في سبيل الله وأتصدق به.

وهذه أمنية أيضاً تشبه السابقة، لكنها لم تكن هي الأمر الذي يشغل بال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال لهم مرة ثالثة: تمنوا، فقالوا: والله ما ندري يا أمير المؤمنين، فقال: أما أنا فأتمنى أن يكون لي ملء هذا البيت رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان، وهذا الخبر صحيح رواه الإمام أحمد في كتاب فضائل الصحابة وغيره.

إذاً فـ عمر رضي الله عنه وأرضاه لا يشغل باله المال -مثلاً- أو الذهب أو الفضة التي ينفقها في سبيل الله، بل يشغل باله أمرٌ أخطر من هذا: ألا وهو بناء الفرد الصالح المؤمن إيماناً حقيقياً في عقيدته يستطيع أن يوفر المال والذهب والفضة ولو من قُوتِه، وهذا هو الذي وقع فعلاً وهو ما تشهد به أحداث التاريخ.

وهؤلاء الرجال هم الذين تقوم عليهم الدعوات وتعتمد عليهم الأمم بعد الله عز وجل إذا رزقوا الصبر والثبات على مبدئهم وعقيدتهم؛ حققوا من جليل الأعمال ما يشبه المعجزات ولكن لا بد لهم أن يتمتعوا بالصبر والثبات على مبدئهم، لأنهم هم قوام الحياة فإذا صلحوا صلحت بهم الحياة، لكن إذا انحرفوا أو فسدوا أو مالوا إلى الدنيا أو تأثروا بالمغريات من حولهم، فمعنى ذلك أن الأرض التي تصلح بصلاحهم قد فسدت بفسادهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015