فمن التواضع أن يعرف الإنسان قدر نفسه، ومن التواضع -أيضاً- أن يقبل الإنسان الحق ويتزود من العلم، ولهذا قال الله تعالى: {وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79] عالم يدرس: {بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79] وقد سبق أن ذكرت أن الآية فيها قراءتان: الأولى (بِمَا كُنْتُمْ تَعَلَمُونَ الْكِتَابَ) وهذه قراءة الجمهور.
والقراءة الثانية: {بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ} [آل عمران:79] يعني تعلمونه غيركم وهذه قراءة حمزة، وعاصم، وابن عامر، والكسائي، وخلف وهي قراءة سبعية كما هو معروف، وهي المثبتة في المصحف رواية حفص عن عاصم {بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ} [آل عمران:79] .
إذاً تعلمون وأيضاً تدرسون، فأنت تجد الرجل شيخاً في حلقة وتلميذاً في حلقة أخرى، الإمام أحمد كان يركض ونعلاه في يديه -يمكن ما عنده وقت يلبس النعال- في أحد شوارع بغداد فقال له أحد تلامذته: يا أبا عبد الله إلى متى تركض؟! قال: إلى الموت، وفي قصة أخرى قيل له: فقال: مع المحبرة إلى المقبرة، لا يترك العلم أبداً.
إذاً فهم يتعلمون ويُعلِّمون حتى الموت، ولا يرون أنهم قد وصلوا، لإن الله تعالى يقول: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] .
وقد سبق أن بينا أن العلم عبادة، بل هو من أعظم العبادات، إذاً من معاني الآية، واطلب العلم -طاعة لله- حتى يأتيك اليقين، لكن العلم النافع الموصل إلى الدار الآخرة.