وهذه قصاصة من أبشع وأفظع ما قرأت! فقد تكلمت الصحف كثيراً حول موضوع الزلزال في مصر، وهذا الزلزال عقوبة إلهية، أو انتقام، أو تنبيه، أو تحذير، أو غير ذلك.
ولا شك أننا تكلمنا أيضاً قبل أسبوعين بما يعتقد أنه هو الصواب في هذه المسألة، ولكن الذي أزعجني كثيراً أن يكتب كاتبٌ كـ محمود السعدني في أخبار اليوم في العدد (2503) مقالاً يقول فيه: أما بعد، تصورت خلال مشاهدتي لبرنامج تلفزيوني -هذا في مصر استغرق ساعتين يوم الثلاثاء الماضي- تصورت أن مبنى التلفزيون قد وقع في يد تنظيم الجهاد -طبعاً المقال كله سخرية بالمسلمين والشباب المتدين- يقول: تصورت أن التلفزيون قد وقع في يد تنظيم الجهاد، وأن البيان رقم واحد سيعقب هذا البرنامج المريب، يحمل نبأ تأليف الوزارة الجديدة برئاسة مولانا الإمام حجة الإسلام كحكوح بن سمعان، ولا شك أن المواطن شجاع، وإيمانه بالله قوي كما أنه نموذج للصبر، ورباطة الجأش، وقوة الاحتمال.
إلى أن يقول: ولكن ما جاء في البرنامج الذي استغرق وقتاً لا أستطيع تحديده، لا شيء سوى أن المواطن سعيد الحظ لا يريد الآن من الحياة إلا قضاء وقته داخل المسجد، والانقطاع للعبادة، وتأدية الصلاة، وهو لا يريد شقة، ولا زوجة، ولا شيئاً، ونصيحته للناس أن يتركوا كل شيء، ويتفرغوا لاستقبال الآخرة التي هي المأوى والمصير، أما الحياة فهي لا تساوي شيئاً، والأعمال، والأشغال، والمعايش، والأرزاق، فهي كلها مكروهة، لأنها تعطل الإنسان عن واجبه الرئيسي وهو العبادة وذكر الله تعالى! -هو ما قال (تعالى) ، أنا أقول: (تعالى) ، هو يقول: العبادة وذكر الله! - ولا أعرف كيف فات على معدي البرنامج العبقري الاستعانة بفرقة أبي الغيط، وكيف لم يقدم للمشاهدين مع البرنامج واعظاً مثل الشيخ حسن مات، لكي يحدثنا عن عذاب القبر، ويصف لنا خواص الماء المغلي الذي سيشربه الكافرون في الدرك الأسفل من النار!! تصور إلى أي حد بلغت السخرية بهذا الرجل! يقول: إن الزلزال كان فرصة لعرض صور الشهامة والبطولة والفداء، وتسليط الضوء على رجال الإنقاذ، والألوف الذين تقدموا عن طيب خاطر للتبرع بدمائهم، ومن بينهم أطفال.
ولكن التلفزيون، وللأسف الشديد ومنذ الزلزال وحتى الآن، تحول إلى فرع من فروع جماعة الناجين من النار.
نسأل الله أن يجعلنا من بركاتكم، وأن يجعل آخرنا في زاوية من زوايا التلفزيون، أو في برنامج على الهواء ننقطع فيه للعبادة وللصلاة!! إنها كارثة أن يكتب مسلم، أو إنسان ينتسب إلى الإسلام، مثل هذا الكلام الذي يدل على أنه يسخر من عذاب القبر، ويسخر من الماء المغلي؛ الماء الذي ذكره الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} [الغاشية:1-5] يعني: حارة شديدة الحرارة.
وقال تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] وقال: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن:43-44] يعني: حار شديد الحرارة.
ألا يخشى هذا الإنسان أن يكون ممن قال الله تعالى فيهم ما قال: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} [الرحمن:43] !! هل تعتقد أن إنساناً في قلبه الإيمان، بأن في قلبه الجنة، وهي مأوى المؤمنين، وأن النار موجودة وهي مأوى الكافرين يجرؤ على أن يكتب مثل هذا الكلام، ويسخر من المنتسبين إلى الإسلام.
إنه لا ينقضي عجبي! أنه في الوقت الذي نجد السخرية من الدين، والمتدين، وأحكام الإسلام، وعقيدة الإسلام، والقرآن، والسنة، أننا نجد من هؤلاء الصحفيين أنفسهم وأمثالهم، محاولة الإعجاب بالغرب، وتقديم الأمريكان لنا والنصارى واليهود على أنهم إخواننا وأشقاؤنا، وأنهم هم المنقذون لنا، وأنهم شركاؤنا في العمل، وفي الحياة، وفي الأرض، وفي الحضارة، وفي التصنيع، وفي غير ذلك! فأي انحراف، وأي ردة أعظم من هذه الردة!! إنها انسلاخ من حقيقة دين الإسلام، انسلاخ من هذه العقيدة التي توارثتها الأمة واجتمعت عليها، إنها انسلاخ حتى من هذه الأمة، فهؤلاء لم يعد يسرهم أن يكونوا جزءاً من هذه الأمة، ولا أن ينسبوا إليها، هم يفرحون أن ينسبوا إلى الغرب أو الشرق، إلى النظام العالمي الجديد، أو النظام الشرق أوسطي الجديد، الذي يديره النصارى أو يدره اليهود! أما أن ننتسب إلى هذه الأمة، إلى تاريخها، إلى قرآنها، إلى تراثها، فإن ذلك ما يزعجهم كثيراً! لقد رأيت حملة ظالمة آثمة على أولئك الفنانات التائبات، العائدات إلى الله تعالى، المتحجبات، حتى إنني قرأت في بعض ما قالوا: إن هؤلاء تحجبن من أجل الشهرة والسمعة!! وآخر قال: قبضن مرتبات ضخمة أعطيات مقابل إظهار الحجاب! وثالث قال: حصلن على وعود كبيرة! ورابع قال في صحيفة سيارة: إن هناك قوى خارجية ودولاً خارجية وراء ظاهرة الحجاب في أوساط البنات، ووراء ظاهرة إعفاء اللحية أوساط الشباب، ووراء ظاهرة اعتزال الفن وتركه.
سبحان الله! إلى هذا الحد، الله المستعان! أسأل الله تعالى لهذا الجمع الكريم ألا ينصرفوا إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وعمل مبرور، وأن يوفقنا وإياكم لصالح القول والعمل، وأن يهدينا وإياكم إلى سواء السبيل.