هذه رسالة مهمة وهي الفقرة السادسة، وهي رسالة بعث بها أحد الإخوة الغيورين، الأخ الشيخ محمد الحمد، جزاه الله خيراً، بعث بها إلى أحد الدعاة الذين كانوا موجودين هنا قبل أسبوعين أو ثلاثة، وقد أعجبتني، ورأيت أنها لا تخص داعية بعينه، بل هي لكل الدعاة، بل لنا جميعاً، وأحببت مشاركة الجميع بقراءة هذه الرسالة، وسأختصر بعض الكلمات: أكتب لكم هذه الرسالة منطلقاً من قوله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] ومن قوله صلى الله عليه وسلم: {إذا أحببت أخاك فأخبره أنك تحبه} وقوله: {الدين النصيحة} .
لقد حباكم الله محبة وقبولاً في قلوب المسلمين في شتى أصقاع الأرض، وما ذلك -والعلم عند الله تعالى- إلا لإخلاصكم وقوتكم في الحق وحرصكم عليه.
ومن هذا المنطلق أود أن أذكركم ببعض الأمور، وما أخالكم إلا تذكرونها وتعلمونها وتستحضرونها وتستشعرونها، ولكن لحاجةٍ في نفس يعقوب أحببت الكتابة إليكم مذكراً ومحباً.
فأول شيء أود أن أذكركم به: الاحتساب في كل عمل تقومون به، سواء كان ذلك عن طريق المحاضرات، أو الدروس، أو التأليف، أو المراسلة، أو جمع التبرعات، أو أعمال البر والإغاثة، وهذه الأعمال الجليلة قد نفع الله بها نفعاً عظيماً ونسأل الله تعالى أن ينطبق عليك قوله تعالى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:31] فاحتسبْ عند الله تعالى كل كلمة تقولها، أو تكتبها، واحتسبْ عند الله تعالى ما تقوم به من جهد لتحضير المحاضرات، واحتسبْ عند الله تعالى أجر كل من حضر إلى المسجد، أو رابط فيه لسماع درس، أو انتظر الصلاة إلى الصلاة، واحتسبْ عند الله تعالى أجر كل مسلم سَلَّم على أخ له في الله بعد الدرس أو المحاضرة، واحتسبْ عند الله أجر كل من أعانك على درس، أو استفاد، أو دعا إلى الله تعالى بسببك؛ احتسبْ ذلك لأنك تسببت لهؤلاء بتلك العبوديات المتنوعة، واحتسبْ عند الله تعالى أجر إحياء الأمة، وبث روح الدعوة والثقة والشجاعة فيها، واحتسبْ عند الله تعالى أجر كل واحد ترك معصية، أو فعل طاعة، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكر بسببك، واحتسبْ عند الله تعالى أجر من نالك بسوء أو غيبة، واحتسبْ عند الله تعالى أجر كل ملهوف أغثته، أو مكروب نفست كربته، أو جائع سددت جوعته، أو عارٍ أعنته على كسوته، أو أيمٍ من سعيت في زواجه، وأحصنت فرجه، وأعنته على قيام أسرة مسلمة، فكثر بذلك سواد أمة محمد صلى الله عليه وسلم، واحتسب عند الله تعالى أجر كل مدين أعنته على قضاء دينه، أو دعوة صرفت لك من المسلمين، واحتسبْ عند الله أجرها وأجر تسببك فيها، واحتسبْ عند الله تعالى كل سنة أحييت بسببك، وكل بدعة أميتت بسببك أو قمعت.
وبالجملة احتسب عند الله تعالى كل صغيرة وكبيرة، وشاردة وواردة، ولا تنس نصيبك من الله، فالأعمال كما قال ابن القيم -رحمه الله-: (تتفاضل بحسب ما في القلوب من حقائق الإيمان) .
أمام هذا الخير العظيم والنفع العميم هل يتصور منكم معشر الدعاة! أن تقفوا عند حد معين؟! أو ينتهي طموحكم عند مكسب قل أو كثر!؟ هل يقف أمامكم، وأمام آمالكم تخذيل مخذل، أو عذل عاذل، أو إرجاف مرجف؟! أترك الإجابة لكم، وأذكركم بقول القائل: عذل العواذل حول قلب التائه وهوى الأحبة فيه من سودائهِ أأحبه وأحب فيه ملامة إن الملامة فيه من أعدائهِ إن هذه النعم التي تترى تحتاج إلى شكر عظيم، ومن ذلك الشكر مواصلة المسيرة، وألا يقف الناس في منتصف الطريق، ومن شكرها أن تتقبلوا كل نصيحة وتعملوا بها، ومن شكرها الإقبال على الله تعالى قلباً وقالبا، والزهد عن مُتَع الدنيا الفانية، ومن شكرها العفو عن من أساء إليكم، أو من نالكم بسوء: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] ولا نوصيك بالعفو عن من أساء، لا.
بل نوصيك بالدعاء له بظهر الغيب لأن القلب الكبير لا يتسع إلا لذلك.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: لما عفوت ولم أحقد على أحدٍ أرحت نفسيَ من ظلم العداوات إني أُحيي عدوي عند رؤيته لأدفع الشر عني بالتحياتِ ومن شكر تلك النعمة أن تفتح صدرك لجميع الناس وإن ضايقوك، فهذا جزء مهم في التربية العملية، لا يقل أهميةً عن الدروس والمحاضرات، وكل من أتاك ليراك، ويسلم عليك، ولم يَحْدُه لك إلا المحبة والشوق، فالله الله! بهذه الخلة العظيمة، التي فرط فيها وللأسف الكثيرون، حيث يقابلون الناس بالفضاضة والغلظة، وهذا لا يليق، فكل شخص أتى للسلام أو السؤال يشعر أن له حقاً، ولرب كلمة أو ابتسامة، أو انبساط، أو تصرف، أو اعتذار لطيف لبق، يُرى في الداعية، فيكون ذلك حافزاً له على الخير، والعكس بالعكس، فلو أن أحداً أُهين أو أغلظ عليه، فلربما كان ذلك سبباً لبغضه للدعاة.
فنأمل جميعاً أن تستمروا على ذلك الأمر، على فتح الصدر، وأن توصوا الدعاة بذلك، فلعل الله تعالى أن يبارك في الجهد والوقت، بسبب وقفة مع سائل، أو ملهوف، أو محتاج، أو حائر.
فإذا رُدَّ فإلى من يتجه بعد الله سبحانه وتعالى؟ سيتجه إلى الفسقة وأرباب الفكر الخبيث، من العلمانيين وغيرهم، من الذين يريدون أن يتخطفوا الشباب ويجروهم إليهم.
ولقد حدثني أحد الإخوان وكان يقطن بجوار رأس من رءوس العلمانية، أنه لا يدع أحداً من خدمه وأهل بيته يقوم بفتح الباب، بل إنه يبادر بنفسه ويقوم بفتح الباب، ويكرم الضيف، ويخرج معه، ويركبه في سيارته، أو يركب معه، ويستمع لجميع ما يقول، ثم يودعه وداعاً حاراً عندما يريد الذهاب من عنده، أفيغلب هؤلاء المبطلون الدعاة المصلحين والعلماء العاملين في هذا المجال؟!! ومن شكر هذه النعمة أن تتذكروا إخوانكم وزملاء من الدعاة والمشايخ: إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في المنزل الخشن وفي الختام: ذكر بعض الدعوات، فجزاه الله تعالى خيراً، وقد وصلتني هذه الصورة من هذا الموضوع، وهذه الرسالة الجميلة، التي أسأل الله تبارك وتعالى لكاتبها أن يجزيه خيراً، ويجعل له بكل حرف حسنة، إنه على كل شيء قدير، وأدعو الإخوة إلى مثل هذه المشاركات العظيمة، التي تقوي القلوب، وترفع الهمم، وتشد العزائم.