أما التعليق الآخر، وهو مراجعة مهمة: فقد وصلتني رسالة أيضاً من بعض الإخوة في المنطقة الشرقية، وهي رسالة أقرؤها عليكم، لأنها تشكل الفقرة الثالثة وعنوانها "رسالة فريدة".
إنني أقرأ عليكم أجزاءً من هذه الرسالة، وفيها كلام يكتب بماء الذهب، ويكفي في تقريره والدعوة إليه وتوكيده، أنني سأخصص له هذه الدقائق لأقرأه عليكم بحروفه.
يقول بعد كلام: وقبل أن استطرد -هذا كلامه- أرجو أن لا تسيء فهمي، فإنني والله موافق لك على ما قلت، ولكن قبل محاضرة (59 طريقة لمكافحة التنصير) نحتاج إلى علاج أنفسنا، ومع علمي بأنني على قدر يسير من المعرفة، إلا أنني وجدت نفسي لا إرادياً أسطر لكم هذه الملاحظة.
لقد فهم البعض من محاضراتك أن السبب هم النصارى، وأذنابهم، وأتباعهم، وأما نحن فحمل وديع لا ذنب لنا في ما يحدث، كل ما يصيبنا بقضاء الله وقدره، كل ما يحدث لنا هو من المؤامرات التي تحاك علينا، أما نحن فلسنا ملومين: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا نعم، إن العيب فينا، فنحن نعلم، بل نتعايش مع تلكُمُ المنكرات التي ذكرتم، والكثير غيرها، فماذا عسانا عملنا!؟ أين نحن من الحديث الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده} الحديث.
الكثير منا لم ينكر حتى بقلبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل إن الغالبية تستهويهم الشياطين، ويخدعهم سراب الحياة الاجتماعية الغربية، فتراهم هم الذين يشجعون أصحاب تلك المنكرات على نشرها، ولا يقتصر هذا التشجيع على المشاركة بل يتعداه إلى تأمين ما يحتاجه أولئك النصارى من الخارج! فيا ترى من الذي يؤمن لهم أدوات الاحتفال بعيد الميلاد؟! ومن الذي يحضر لهم بابا نويل؟! ومن الذي يدافع عن المقبوض عليهم أحياناً من قبل الشرطة والمباحث؟! من الذي يحجز لهم المنازل لإقامة حفلاتهم وطقوسهم الدينية؟! ومن؟! ومن؟! ومن؟! إنهم وللأسف سعوديون يعلمون بحرمة ما يصنعونه، ولكنهم قوم كما قال تعالى: {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد:14] إنهم عبدة الدينار والمنصب، والهوى والشيطان! إنهم منا، هم إخواننا وأبناؤنا، هم أقاربنا، هم جيراننا، إنهم من يعتقد بأنهم النخبة، وهم في الواقع نخبة معكوسة.
أولئك قوم كثير منهم لديهم علمنة، أو جهل، ولكن ماذا عنا نحن الملتزمين؟! هل نحن معفون ولا مسئولية علينا؟! أم نحن موقوفون، وعن تفريطنا مسئولون؟! إن الكثير منا نحن الملتزمين جبناء، أو لا مبالون، بل منا من لا يحضر الصلاة إلا وقت الإقامة، وينصرف من المسجد قبل أن يصلي السنة، خوفاً من رئيسه، أو تهاوناً.
إن البعض منا لا يمانع عن التعامل مع النساء بالطريقة نفسها التي يتعامل بها سواه، حتى لا يقال عنه: إنه معقد! البعض منا لا يمانع أن يكتب الربا، إن بعض الملتزمين لا يهمه أن يلمز المطاوعة، ويلصق بهم التعقيد والتزمت، دون أن يدافع عنهم.
أما في مجال الدعوة إلى الله تعالى، وإنكار المنكر، على قلة القائمين بذلك، إلا إنهم على طرفي نقيض، فهم إما متحفظ إلى درجة لا يحرك معها ساكناً، أو متحمس إلى درجة كبيرة بحيث يضر بنفسه وبالآخرين، فَتُوأَدُ الفكرة أحياناً قبل ولادتها.
والله المستعان! إن الحكمة في الدعوة إلى الله والإنكار -وهي ضالتنا- مفقودة، إن المنصرين يعملون بهدوء، وبشكل لا يلفت النظر، بشكل يبدو فردياً وهو منظم.
أما نحن فحتى الآن لم نستطع أن نضع أرجلنا على بداية الطريق، نحن لم نعمل شيئاً، كل الذي عملناه هو تجميع بعض المعلومات، وأرسلنا بها شكوى إليكم، أو إلى الوالد العالم العلامة الإمام عبد العزيز بن باز، أو إلى الشيخ سفر الحوالي، أو غيره.
إن إيماننا بالله تعالى قليل، ونفوسنا ضعيفة، إننا حتى الآن نعتقد أن البداية في هذا الطريق هي نهايتنا، فنحن نخاف على مناصبنا، على مستقبلنا، على أولادنا وعيالنا وبيتنا وسيارتنا، ولا زلنا نعتقد أن أرامكو أو الأمريكيين لا يمكن وقفهم عند حد، لازلنا نفكر بالطريقة القديمة القائمة على المجابهة، ولا زلنا نعتقد أن كلاً منا عليه من الرقيب والعتيد ما يكفيه!.
ولذلك تجدنا نتوقف قبل أن نبدأ، لا زلنا نعتقد أن تغيير المنكر يحتاج إلى مراسيم عليا، ونسينا أن المنكرات بدأت من طريق أفراد، وأن إنهاءها يحتاج إلى أفراد معدودين.
إنني أقول: إن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، فلو خطا كل منا خطوة لقطعنا المشوار في زمن قياسي، لكننا ننتظر المشايخ أن يغيروا كل شيء، والله المستعان! إننا قوم لا ندري ما هو المطلوب منا، نسمع المحاضرة وكأن المعني بها قوم آخرون، أما نحن ففي مهب الريح! خذ مثلاً: ردة الفعل التي حدثت بعد محاضراتك، البعض سمع الأشرطة مثلما يسمع أية محاضرة، والبعض يقول: نعرف هذا من زمان، والبعض أشاع أن الأشرطة لا تنتشر، أنها توقف، أو تحارب، والبعض يقول: إن مجلس أرامكو مجتمع لدراستها، والبعض يقول: إن الأمريكان الذين ذكرت أسماؤهم تقدموا بشكوى عن طريق القنصلية، ليس هذا فحسب، بل إننا نتحدث عنها عن هذه الأشرطة والخوف يملأ قلوبنا لئلا تسمعنا بعض الجهات! إن لنا أجسام الجمال ولنا عقول ربات الجمال! يا ترى هل هذا ما كنت توده منا؟! هل هذا ما كنت تود أن توصله لنا؟! لا أظن ذلك، ولكنا لسنا بعد جاهزين، أو مهيئين لذلك الدور الطلائعي المطلوب منا، لن يغير الله تعالى ما بنا حتى نغير ما بأنفسنا.
سنستوعب محاضراتك وغيرها عندما يصبح الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، سوف ندرك المرامي عندئذٍ، عند ما نكون عبيداً لله عز وجل، لا نشرك به شيئاً، ولا نشرك معه شيئاً، عندما تكون الدنيا في أيدينا نستطيع التفكير في ديننا، أما الآن فالدنيا في قلوبنا ولا نفكر في شيء سواها، رحم الله محاضرات التنصير، وشريط (صانعو الخيام) حتى نتوب إلى رشدنا.
أرجو أن لا يكون كلامي هذا مثبطاً، فهذا واقعٌ لا أظنك تجهله، إن ما أريده هو أن نجلس مع أنفسنا جلسة هادئة، ونسأل أنفسنا ماذا نريد؟ إن الإجابة على هذا السؤال في نظري هو المعيار، فإما أن نختار الله والدار الآخرة، عندها فقط تستطيع أن تسمعنا ماذا نريد، أو أننا نريد الحياة الدنيا وزينتها، عندها لا بد من العودة إلى المربع رقم واحد، نتعلم معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، نتعلم التوحيد وأصوله، نتعرف على سيرته صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه الغر الميامين.
لا بد أن نتعلم ليصبح فينا مثل ذلك الأعرابي الذي قال لـ عمر: " والله لو قلت عن الطريق هكذا، لقلنا لك بسيوفنا هكذا "، لا بد من فهم حديث {احفظ الله يحفظك} .
إذا كان الخيار الثاني هو خيارنا، ولا أظنه والله إلا خيار الغالبية، فأمامنا وقت طويل، ومشوار بعيد، حتى نستيقظ من غفلتنا، عندها سوف يكون أمامنا مهمات عظيمة من نوع آخر.
ختاماً أسأل الله جلت قدرته أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
هذا ما قاله الأخ الكريم.
وإنني أثني جيداً على ما قال، وأؤكد على قضيتين منهما: