الندم والتوبة

الشعور السادس: شعور الندم والاستغفار من ذنب فرط من الإنسان في ساعة لهو أو جهل أو غفلة، ولذلك لما حضر الموت عبد الملك بن مروان وهو الخليفة المعروف قال [أخرجوني] فأخرجوه، فتلفت وقال: " يا دنيا ما أجملك! -يسخر- يا دنيا ما أجملك! والله إن عيشك لحقير، وإن طويلك لقصير، وإن تناقش يكن نقاشك يا رب عذاباً لا طوق لي بالعذاب أو تجاوز فأنت رب غفور لمسيء ذنوبه كالتراب ".

وكذلك الإمام الشافعي رحمه الله لما نزل به الموت، استغفر الله تعالى، ثم قال ودموعه تتحادر على لحيته: ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما تعاظمنى ذنبي فلما قرنته بعفوك رب كان عفوك أعظما فما زلت غفاراً عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منَّةً وتكرما فلولاك لم يصمد لإبليس عابد فكيف وقد أغوى صفيك آدما فلله در العارف الندب إنه تفيض لفرط الوجد أجفانه دما يقيم إذا ما الليل مد ظلامه على نفسه من شدة الخوف مأتما فصيحاً إذا ما كان في ذكر ربه وفيما سواه في الورى كان أعجما ويذكر أياماً مضت من شبابه وما كان فيها بالجهالة أجرما فصار قرين الهم طول نهاره أخا السهد والنجوى إذا الليل أظلما يقول إلهي أنت سؤلي وموئلي كفى بك للراجين سؤلا ومغنما ألست الذي غذيتني وهديتني ولا زلت منانا عليَّ ومنعما عسى من له الإحسان يستر زلتي ويغفر أوزاري وما قد تقدما ثم فاضت روحه رحمة الله تعالى عليه.

ومن أعجب ما يكون للمؤمنين عند الموت الترحيب بالموت يقول محمد إقبال: آية المؤمن أن يلقى الردى باسم الوجه سروراً ورضا هل رأيت أحداً يفرح بالموت؟! نحن ما رأينا لكننا قرأنا في الكتب وسمعنا بالأسانيد الجياد المتصلة؛ أولئك الرجال الذين ربطوا قلوبهم بالدار الآخرة، وتعلقت نفوسهم برفقة الحق التي طالما جاهدوا معها، وكابدوا وعاشوا الصعاب، فكان الواحد منهم يحن إلى لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: [[اليوم ألقى الأحبة محمداً وصحبه]] .

هذا حذيفة رضي الله عنه لما نزل به الموت قال: [[يا مرحبا بالموت حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، لا أفلح من ندم، الحمد الله الذي سبق بي الفتنة قادتها وعلوجها، أعوذ بالله من يوم صباحه إلى النار]] .

وهكذا تمنى الموت وفرح به وقال: لا أفلح من ندم، ولاشك أن الإنسان بطبعه يكره الموت، وقد قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، كلنا يكره الموت، كما في حديث عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015