من الوسائل: قضية التشهير بالمنكر إذا لزم الأمر -وكما أسلفت قبل قليل- {ما نقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله} والتشهير يأخذ صوراً شتى -مثلاً- إنسان مجاهر مُصِرٌ نهيته عدة مرات ولم ينته، ولم يبق إلا أن تشهر به، كيف تشهر به؟ ليس بالضرورة أن تعلن على المنبر أن فلاناً بن فلان كذا، هذه ليست الصورة الوحيدة، لكن أذكر لكم مثالاً يدلكم على ما ذكرته لكم قبل قليل، وهو أن الحاجة أم الاختراع، والعطشان يكسر الحوض.
في بغداد كان هناك بيت يسمع منه صوت الغناء والمزامير واللهو، بيت لواحد من المترفين الأغنياء، طرقوا عليه الباب لم يستجب لهم، مرة ثانية وثالثة لكن الرجل مصر، وكان هناك قارئ في بغداد حسن الصوت ومؤثر بكَّاء- إذا قرأ بكى وأبكى من حوله، فلما أعيتهم الحيلة جاء هذا القارئ يوماً من الأيام، وقت ازدحام الناس في الشوارع، وجلس على عتبة الباب الذي يصدر منه صوت الغناء، والغناء مسموع -أي: في تلك اللحظة- ثم استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وسمى وبدأ يقرأ القرآن الكريم بصوت جهوري فاجتمع الناس لما سمعوا صوت فلان- وامتلأ الشارع وعلا النحيب والأصوات والبكاء؛ حتى سمع صاحب البيت وهو في داخل منزله سمع أن الوضع غير طبيعي، وأن هناك بكاء وأصواتاً، فنظر وإذا بالوضع هكذا فنزل وأخرج الطبول وآلات اللهو والفساد التي عنده وأعطاها لهذا الشيخ ليقوم بتكسيرها بيده.
فهذه طريقة لا تحتاج إلى شيء، وليس فيها مأخذ على فاعلها، وهي طريقة حكيمة ومناسبة، وقد فعل مثل هذا بعض الدعاة في العصر الحاضر، حيث كان هناك حفل يراد أن يقام في مكان ما، غناء ولهو وطرب، وهذا الداعية عجز عن تغييره، فلما عجز أخبر الصالحين بأنه سوف يقيم محاضرة أو درساً في مكان مجاور، قريب منه جداً، وبدأ يتكلم بكلام قوي ومؤثر، وقد أعد له إعداداً جيداً، فانسحب الناس من مكان الحفل، وأتوا إلى المحاضرة، وأوقف الحفل بطريقة هادئة مفيدة دون أن يحدث فيها أي شيء يمكن أن يعاتب عليه.