هناك تنبيهات من أجملها إجمالاً وأمر عليها إِمْرَاراً، هي برقيات عاجلة ينبغي أن نكون منها على ذكر، نتذكر جميعاً قول عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-[[من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل]] .
تذكر أن التفاعل مع قالة السوء هو أكبر وقود وإمداد لها، أما لو انشغل الشباب بالسرى فيما هو أجدى فإن قالة السوء لن تجد في أوقاتهم فراغا، ولا في أذهانهم مساغا، وستجد من سراهم حائطاً صلباً ترتطم به ثم ترتد إلى قائلها، فيرتد طرفه وهو حسير.
تذكر أيها الموفق أنك تُعَد لأمر عظيم: قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل فلا تكن -رعاك الله- زاملةٌ تنقل قالة السوء، همك نقل ما قال فلان إلى فلان، وأن تخبر بمضمون شريط فلان في فلان، كلا، فلك من همومك ما هو أعلى، ومن شغلك ما هو أجدى، إذا سمعت هذه القالة فأَشِحْ عنها بوجهك، وأعرض عنها، واطو عنها لِيْتاً وقل: {قد أتى آل جعفر ما يشغلهم} {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37] .
تذكر بارك الله فيك -وأنت على ذكر- أن علينا ألا نؤجر عقولنا، وألا نوزع اهتماماتنا بالمجان، فلا نجعل من اهتماماتنا مزاداً مفتوحاً يزايد فيه كل فارغ لا شغل له ولا قضية.
تذكر -وأنت على ذكر- أن كلاً منا سيقدم على ربه يوم القيامة فرداً، ولن ينفعني أو ينفعك فلان الذي تكلمنا له في فلان، ولكن سينفع كلاً منا لسانٌ حَفِظَه: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] .
تذكر -وأنت على ذكر إن شاء الله- أنه ليس هناك خير يفوت عليك بسكوتك وإعراضك، والسلامة لا يعادلها شيء.
تذكر أن حرمة عرض المسلم ثابتة بيقين، وأن حرمة عرضه كحرمة دمه وماله: {إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام} .
هل نحذر أن نلقى الله وقد انتهكنا عرض مسلم، أو اشتغلنا به تذكر أن على الإنسان ألا ينطلق في المخاطرة بدينه من قناعات الآخرين، فقد يخادع الإنسان نفسه، أو يخادعه شيطانه بأن هذا التهوك والتشاغل من الدين، حينها تذكر أن الشيطان لا يعرض على الصالحين الحرام في صورة حرام، ولكن يعرض عليهم الحرام في صورة واجب.
تذكر أنا ونحن نرى هذه الزوبعة لم نرها أنها أحقت حقاً، ولا أبطلت باطلاً، ولا أحيت سنة، وإنما ربت على الاستهانة بالغيبة، وهدر المجالس فيما لا ينفع، والانشغال عن المهمات، وتعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سلمت فارس، والروم، واليهود، والنصارى، والرافضة، والمجوس، ولم تسلم أعراض الدعاة، تذكر أن قناعتك بالحق ليست كافية في أن توصله بأي أسلوب شئت، وأن كثيراً ممن قدم هذه البلاد فتعدلت عقائدهم واستقامت حالهم لم يُهْدَوا إلى العقيدة الحقة بالغمز واللمز والإيذاء النفسي، كلا ولكن هدوا بالصبر والاحتساب والكلمة الطيبة والنية الصادقة.
تذكر -بارك الله فيك- أن علينا ألا نتخذ موقفاً ولا نتكلم بكلمة إلا ولنا عنها جواب عند الله عز وجل حتى لا تلحقنا منها ندامة في الدنيا ولا حسرة يوم القيامة، تذكر وانظر من هم أسرع الناس إلى هذه الزوبعات، إن الذين سبقونا إليها ليسوا أكثر الناس صوما، ولا أكثر الناس صلاة، وليسوا فيما يظهر للناس أتقى ولا أورع.
ولكن نراهم أهل البطالة والاستهانة بالوقت، وهدر الجهد، أفنرضى أن يكون هؤلاء لنا أسوة؟! ثم انظر -بارك الله فيك- إلى أهل والتقى والخشية، فستراهم أعف الناس ألسنا، وأكثرهم عن هذا الأمر إعراضا.