Qكثيراً ما نسمع عن بعض طلبة العلم التحذير من أشخاص معينين من أهل العلم والدعوة بحجة فساد في عقيدتهم، كما يزعمون أو بحجة أنهم من فئة كذا، أو أنهم يخوضون في السياسة ويستغلون منا برهم للسياسة، فما رأي فضيلتكم في هذا ونرجو النصح والإرشاد في هذه المسألة؟
صلى الله عليه وسلم أعوذ بالله! أعوذ بالله! أعوذ بالله! {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:8] وقال: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] هذه دعوة المسلم نسأل الله -جل وعلا- ألاَّ يجعل في قلوبنا غلا، وأن يجعل فيها محبة لأولياء الله، وبغضاً لأعداء الله، لا أن تنعكس القضية فيكون في قلبه بغض لأولياء الله، ومحبة لأعداء الله.
أكرر القول والتذكير بقول الله: {وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر:10] فهؤلاء النوع الذين حُذِّر منهم أليسوا مؤمنين؟ أليسوا دعاة؟ أليسوا أئمة مساجد؟ ونتحفظ عن الأسماء، أليسوا أصحاب حلق وما إلى ذلكم؟! متى وجد أن المسلمين بعضهم يحذر من بعض؟! يا إخواني! حذرونا من المبتدعة الابتداع الواضح، حذرونا من الطغاة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله! حذرونا من الذين ظلموا عباد الله في كل مكان! لكن تحذروا شباب الإسلام من أن يستمعوا لدعاة الإسلام؟! على كل حال مثل هذا المقال لا يجوز أن يصدر من مؤمن مهما كان مستواه العلمي، لا يجوز أن يصدر من داعية، وإن صدر منه فلا شك أنه أحد رجلين، أو من أحد القسمين الذين ذكرت: إما أن يكون اشتبه الأمر عليه وتسلط شيطانه عليه وجاءه باجتهادات، وآراء أيضاً خاطئة، ولا صلة لهم بالأمور الأخرى، أو أن يكون بوقاً من الأبواق التي تخدم في الباطل باسم الدين وباسم التحرير، وليس هذا بغريب، يا إخوة ليس هذا غريب أذكر أني قد قرأت تقريراً، هذا التقرير نقلته مجلة الندوة أو مجلة المدينة قبل عشرين سنة، وهذا التقرير أيام فتنة جمال، تسلط جمال عبد الناصر على الإخوان، قالت: إنه اختص بها وأنها حظيت به فهو سري معد من رئيس استخبارات مصرية -مع الأسف- في الوقت الذي يعادون اليهود فيه، واستخبارات أمريكية، واستخبارات يهودية، التقرير استعرض وضع الإخوان.
ومن النقط التي علقت بذهني نقطتان: نقطة في العرض منه، ونقطة في الحلول التي وضعوها، التي في العرض قالوا: وهم يستعرضون الإخوان: إن المتدينين من الناس لهم من غيرهم رصيد لهم هذا صحيح، يعني مهما كان في مسلم من نقص فأخوه المسلم يحس بإحساسه، {المسلم أخو المسلم} بقطع النظر عن الانتظام أو عدم الانتظام، إنما المؤمنون أخوة، فكأن البقية أرصدة لهم، معناه إذا وجد شيء، سيكون المتدينون أرصدة لهم.
النقطة في الحل: الثاني: قالوا: "يجب أن يسلط عليهم من بينهم من يشكك بعضهم في بعض" مثال يقال: ملتحون لو جاء بينكم كعشرة في رحلة حليق أو ناقص أو غيره ممكن تتيحون له الفرصة، لا لكن يأتي واحد من بينهم ومن نفس النوع يشكك بعضهم في بعض، وهذا التقرير محمول من قبل اثنين وعشرين سنة، من خصوم مسلمين بقطع النظر عن مستواهم، لكن ما خرجوا من الملة، الآن نجد آثاره وإن لم نقرأ أو نحدد أن فيه تسلطاً على المسلمين بعضهم من بعض، ولا نقول هذا معناه أننا لا نلمس، نحن نلمس ذلك ونقرأ ونعرف أن الكثير من المداخلين للشباب، وللملتزمين أن من بينهم من يطرح الشيء ليشككهم في هذا الأمر، وليغريهم في هذا الأمر، وحسبنا قريباً ما حصل -وبالأخص مع الأسف- عندنا في الرياض فتنة عمياء -نحمد الله سبحانه وتعالى أن وقى الله المسلمين شرها- تخويف وتقليل من شأن العلماء إلى حد أن عدداً منهم في بيان ما استثنوا من العلماء إلا اثنين في مقدمة من استثنوا، ابن باز، وابن جبرين، وعدد معهم آخر، فعلى كل حال: أنا أعتقد أن مثل هذا يعتبر تسلطاً من الدعاة على الدعاة، ومن المتعلمين على المتعلمين، ومن السلف وممن ينتمي إلى السلفية -أنا لا أقطع بسلفية بعض الناس يقول: هو منتمي إلى السلفية- على من لم ينتم لها، ولا شك أن مما يجعلنا نقسو ونقول هذا القول أنني سمعت شريطاً لأحدهم يقول: فلان سلفي الظاهر مبتدع الباطن! أنا سمعت هذا بأذني، وكلكم قد يكون سمعه، فبالله هل الأنبياء إدعو مثل هذا، هل يوجد نبي ادعى أنه يعلم الغيب، أو حكم على الناس على بواطنهم، عمر -رضي الله تعالى عنه- يقول: [[الناس يؤاخذون في وقت الوحي بالوحي، أما الآن فيؤاخذون بما يظهر لنا منهم]] يعني فلان سلفي الظاهر مبتدع الباطن! هل هذا من العدل؟ أليس هذا والله أعلم منبعث من سوء نية؟ ومن تسلط؟! إن قلنا: أنه ليس سوء نية ولا تسلط، معناه اجتهاد أعمى، أقل أحواله أنه يدعي أنه يعلم الباطن! هذا الكلام تعرفونه كثيراً وهو عندكم في أشرطة، فلا شك أن مثل هذا الكلام أن القول به أو التحذير من طالب علم معروف بالخير، أو التحذير من داعية كونه سياسياً قول باطل وهل أنتم تفصلون السياسة عن الدين؟! إن الذي يفصل الدين عن السياسة هذا هو محل الإبعاد، ومحل التهمة، ومحل -أيضاً- تعطيل جزء كبير من دين الله، وإذا تكلم إنسان في أمر ما! قيل: هذا سياسي! الحباب بن المنذر لما قال للرسول عليه الصلاة والسلام: {أهذا منزل أنزلك الله إياه أم هو الحرب والمكيدة قال له: بل الحرب والمكيدة} فهل هذا تدخل في السياسة أم لا؟! هذا تدخل في السياسة، فالرسول عليه الصلاة والسلام عندما أبرم العقد مع غطفان وكتب العقد على أن يرجعوا عن المدينة ولهم ثلث ثمارها جاء السعدان رضي الله تعالى عنهم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة واستشارهم الرسول بعد أن كتب العقد لكن لم يوقع ولم يستلم: {قالوا لرسول الله: أهذا أمر أمرك الله به؟ قال: لا، قالوا: أهو أمر تحبه عملناه؟ قال: لا، قالوا: والله ما أكلوا منها ونحن وهم في الجاهلية إلا بشراء أو يكراء فكيف ونحن في الإسلام؟!} فأخذ الورقة ومحا مافيها، هل هذا تدخل إذا قام رجل نقد أمر ما؟! وأنا أقسم بالله وأباهل أن بعض من يعترض على هذا الأمر لو خَلَى له الجو ولم يكن هناك مؤثرات، لقال: هذا هو الحق، ومن يقل بفصل الدين عن السياسة؟! ومن يقول: إن الحكومات لا تنتقد، ومن يقل: إن الوضع العام طيب ولا يُنْتَقَد أولا يسمح بهذا؟! معنى هذا إخراس الألسنة، وإماتة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحمد لله أنه لا يزال في الزوايا بقايا.
فالأمة لو أجبرت على أمر ما، يمكن أن يعترضها قصور لكن يبقى منها من بقي، على كل حال نرجو الله أن يرحم إخواننا جميعاً الناقدين والمنقودين، المتسلطين والمتسلط عليهم، وأن يجمع كلمتهم، وأن ينور قلوبنا وقلوبهم، وأن يجعلنا وإياهم جميعاً ممن يتحقق فيهم هذا الدعاء {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] .