Q نتوجه بسؤال إلى فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين لنستفيد من علمه، وهو سؤال يهم كثير من شباب الصحوة هذه الأيام: وهو ما أشيع عن بعض الدعاة إلى الله عز وجل وقد اتهموا بمعتقدهم وضربت أقوالهم بعضها ببعض، بل ضربت أقوالهم بأقوال كبار العلماء، وجعل ذلك في أشرطة وألفت في ذلك مؤلفات كثيرة تتكلم عن هؤلاء الدعاة، ولا يُدرى ما المقصود من ذلك، ولعله عن حسن قصد ولكنها بلا شك فتنة، فنطلب من الشيخ حفظه الله أن يوجهنا ويعطينا ما يراه مناسباً في مثل هذا الأمر، وما هو موقف الشباب من مثل هذه الأمور التي تثار وجزاك الله خيرا؟
صلى الله عليه وسلم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
واجب على المسلم أن يحسن الظن بإخوته المسلمين، وأن يحملهم على المحامل الحسنة، وأن ينشر محاسنهم وآثارهم الطيبة، ويكون من آثار ذلك: محبتهم والدعاء لهم، وذكرهم بذكرى حسنة، لا سيما وقد عُرفت آثارهم، وقد لُمست الفوائد منهم، وقد عُرفوا بحسن المعتقد، وسلامة الفطرة، ونفعهم الله ونفع بهم في هذه البلاد، وفي هذه المناطق أظهر الله علماء من هذه الأمة، ومن أتباع أئمة الدعوة، ومن أتباع الأئمة الأربعة، ومن أتباع السلف الصالح، يعتقدون عقيدة صالحة، يعتقدون معتقد السلف، موحدين لله تعالى، عابدين له، لا يعرفون ولا يدعون إلى بدعة، ولا إلى شرك، ولا إلى منكر، بل قيض الله في هذا الزمان هؤلاء الدعاة الذين نفعهم الله بما فتح عليهم من العلوم، ومن الأفهام، ومن المعارف، ورزقهم الأساليب الحسنة، الأساليب الصحيحة التي يعبرون بها عن المعاني أحسن تعبير، فينفعهم الله بما فتح عليهم من العلم، وينفع بهم عباده الصالحين.
ففي القصيم الشيخ سلمان بن فهد العودة ظهر في هذه السنوات الأخيرة ورزقه الله علماً وفهماً وهو من أئمة الدعوة، ومن الدعاة إلى الله تعالى، وفي الحجاز الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي هو أيضاً من أهل التوحيد، ومن أهل العقيدة السليمة، ومن المتبعين للسلف الصالح، وكذلك في المنطقة الجنوبية عائض بن عبد الله القرني هو أيضاً من الدعاة إلى الله تعالى، ومن القائمين بحقوقه وحدوده، وفي الرياض وإن كان أصلاً من القصيم الشيخ ناصر بن سليمان العمر، وكذلك غيرهم من أئمة الدعوة، ومن حملة العلم الصحيح السليم، هؤلاء من أهل العلم الشرعي، ومن أهل العلم الصحيح، لا شك أنهم -إن شاء الله- من المخلصين لله، والدعاة إليه، كذلك أيضاً ليسوا بمبتدعة، وليسوا بأهل لأن يُظن بهم بدعة سيئة، أو عمل سيئ، أو دعوة إلى سيئة، كذلك أيضا هم على عقيدة السلف الصالح من الأئمة الأربعة، ومن بعدهم، وعلى عقيدة دعاة الإسلام في كل مكان، كشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله.
كذلك -أيضاً- قد رزقهم الله مع العلم حسن عبارة، وحسن تعبير، وسلاسةً في صياغة الكلام، ومقدرة على البيان والبلاغة، وإعطاء المقام حقه حتى يستوفوا المقام، فهم تطرقوا في محاضراتهم وندواتهم ومؤلفاتهم ومجتمعاتهم، إلى العلوم الواقعية التي وقع فيها كثير من الناس في هذه الأزمنة، فنبهوا على المعاصي، وبينوا كيف علاجها، ونبهوا على الشركيات، وبينوا موضع إنكارها، ونبهوا على الكفر والكفرة من اليهود، والنصارى، والمشركين، والبوذيين، وسائر الكفرة، وبينوا خطرهم، وبينوا آثارهم السيئة، وبينوا كيف الحذر منهم، وكيف سبيل التوقي من شرورهم، وكذلك نصحوا للأمة، ونصحوا للأئمة، وحذروهم من الوقوع في الأسباب التي توقع في الهلاك، وتسبب عموم العقاب، ونزول العذاب.
كل ذلك حملهم عليه نصحهم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومحبتهم للنجاة ولسبل النجاة، وكذلك محبتهم لأن يظهر الإسلام، وأن يظهر المسلمون، فلا شك أنهم بهذا مجاهدون، فلا جرم نشر الله لهم سمعة حسنة، وانتشرت أشرطتهم ومؤلفاتهم في خارج البلاد، في أبعد البلاد وأقربها، حتى وصلت إلى دول أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، فضلاً عن الدول العربية، فهناك لهم ذكر حسنٌ وهناك لهم شهرةٌ فيما بين الأمة، هذا من آثار إخلاصهم، ونصائحهم أثابهم الله.
لم يكن يعرف عنهم دعوة إلى أية بدعة من البدع التي يدعو إليها من يدعو إلى البدع أبداً، ومعروف أيضاً أنهم يحترمون إخوانهم من العلماء، فيحترمون مشايخهم وكبار العلماء، يحترمون سماحة شيخنا الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وكذلك المشايخ الآخرين الذين هم كبار العلماء، وقضاة المحاكم، كلهم يعدونهم لهم إخوة، ويعترفون بفضلهم، ويتبادلون معهم السلام، وكذلك أيضاً هؤلاء القضاة وكبار العلماء، يعترفون أيضاً بفضلهم وبعلمهم ويحبونهم، ويمكنونهم من المحاضرات والدعوة، يدعون الله لهم، فليس بينهم وبين هؤلاء العلماء أية منافسة ولا غيرها، وهذا يعرفه ويشهده من تتبع أخبارهم، فنراهم يجلسون مع الدعاة الذين هم دعاة إلى الله في المدينة، وكذلك في الرياض، وفي الحجاز، وفي القصيم، وفي الجنوب، وفي المنطقة الشرقية، الدعاة إلى الله المشهورين بالدعوة كلهم يجتمعون مع هؤلاء، ويشجعونهم، ويحثونهم على المواصلة في العمل، ويفرحون بنشاطهم وبقوتهم، ولا ينكرون عليهم شيئاً مما يقوله أعداؤهم الذين يشنعون عليهم.
هذا بلا شك شيءٌ ظاهرٌ، فإذا سبرنا أقوالهم، وتتبعنا كتبهم ومؤلفاتهم، وجدناها مليئة بالنصح، والمواعظ، والإرشارات، ووجدناهم يحذرون من المنكرات، والبدع، والمعاصي، ووجدنا التأثر بها محسوسا، وملموساً، فلا يلتفت بعد ذلك إلى من عابهم، أو طعن فيهم بشيء لا حقيقة له.
كذلك نحن نقول: إن كل من أظهره الله ورزقه علماً، وفهماً، فلا بد أن يبتلى بحسود، لا بد أن يكون له أعداء يحسدونه، فكم وقع من الحسدة في الأزمنة المتقدمة، فإمامنا أحمد بن حنبل رحمه الله قد تصدى له الحسدة، ووشوا به حتى أُدخل على الخليفة المعتصم، وحُبس مدة طويلة، وجُلد لمَّا أن وشى به هؤلاء وقالوا: إنه كافر وإنه فاجر، وأشاروا على الخليفة بأن يقتله حتى قال أحد أعدائه: ابن أبي دؤاد: اقتله وإثمه علي، وأوذي وحبس، وما ذاك إلا لأجل إخلاصه ولأجل صدقه في تمسكه بالسنة.
وكذلك الشيخ ابن تيمية رحمه الله لما صدع بالحق وأظهر السنة ونصرها، وأعلن القول بها، حسده أعداؤه لمّا رأوا شهرته، ومحبة الناس له، وإقبالهم على تعظيمه وسرورهم بمقالاته، قالوا: هذا يمكن أن يستأثر بالناس، وأن يصرفهم عنا، وأن لا يبقى لنا مقال، لماذا لا نوشي به، ونشتكيه، ونطعن فيه؟ فطعنوا في عقيدته عند الخلفاء والسلاطين، ورفع إلى السلطان، وحبس في مصر، وأوذي وبقي في الحبس أكثر من أربع سنين أو خمس سنين، ربما سنتان متواليتان، كذلك أيضاً حبس في آخر حياته في دمشق أكثر من سنتين، بل مات وهو سجين، ولكن ذلك لم ينقص من قدره في قلوب الأمة، بل لما توفي، ارتجفت البلاد من المصيبة، واجتمعت الناس للصلاة عليه حتى حضر أكثر من ستين ألفاً يريدون الصلاة عليه، أو ربما أكثر من مائة ألف، الحاصل أن جميع أهل دمشق كلهم توافدوا وما ذاك إلا لمحبته التي في القلوب، وذلك مما ساء أعداءه، ومما أضر بهم، ولم يحملهم إلا الحسد، وفيهم يقول الشاعر: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغياً وإنه لذميم ولكن ذلك لم يزده إلا تصلباً، لم يضره حسدهم، بل حسدهم صار ضرراً عليهم، فانصرف الناس عنهم، وزهدوا في علومهم، ونفع الله بعلمه، وبمؤلفاته، وبقيت إلى هذا اليوم معتنى بها، وماتت أكثر أخبارهم، وأكثر مؤلفات أهل زمانه كـ الزملكاني، وابن مخلوف، والسبكي، وأشباههم من الذين نصبوا العداوة لـ شيخ الإسلام، وصدق فيهم ما روي عن الأصمعي أنه قال: إن الحسد داء منصف يعمل في الحسود -أي: يعمل في الحاسد- أكثر مما يعمل في المحسود.
فنقول: الحاسد لا يضر إلا نفسه، والمحسود عليه أن يصبر، فيتضرر الحاسد بصبره، ويتقلب على فراشه حقداً وغيظاً مما يرى في أخيه، يتمنى زوال هذه النعمة التي فيه، فنقول للمحسود: اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ماتأكله نقول لهؤلاء الذين حسدوهم ووشوا بهم وتتبعوا أغلاطاً لهم، وجعلوا الحبة قبة، وأخذوا من كلماتهم أو من أشرطتهم مقتطعات لم يأخذوا الذي قبلها والذي بعدها الذي يوضحها، فعلقوا عليها تعليقات يوهمون أنهم يبغضون الحديث، ويبغضون السنة، ويبغضون الشريعة، وأنهم دعاة ضلال، ودعاة سوء، وأنهم مفسدون في الأرض، وهذا شأن الحسدة أنهم يأخذون كلمة ويقطعونها عما قبلها، فهم كالذي يقطع الاستثناء عن المستثنى لو أن إنسان قرأ: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4] وسكت لعد ظالماً حتى يأتي بقوله {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:5] .
فهؤلاء يأخذون مقطعاً أو كلمة متعلقة بما قبلها وما بعدها، ثم يقولون هذه الكلمة تدل على كفر، وتدل على ضلالة، ولو أنهم أضافوها إلى ما سيقت له لاتضح المراد، ولو أيضاً تتبعوا الكلمات الأخرى والمحاضرات الأخرى، لوجدوا هؤلاء المشايخ ناصحين مخلصين، دالين الأمة على ما فيه خير، وعلى ما نفع الله به الأمة، ففرق بينهم وبين هؤلاء المغرضين، الذين يتتبعون السقطات واللقطات والهفوات، والذين يحسدون إخوتهم على ما أنعم الله به عليهم من الشهرة والمكانة في الأمة، فلا شك أن هذا ظلم كبير.
فنحن نقول لهؤلاء: فرق بينكم وبينهم، أيّ قياس يحصل بين الاثنين بين من ينصحون المسلمين ويوجهونهم ويدلونهم ويرشدونهم، وبين من لم يظهر منهم أي أثر، ولا أي نفع، بل صار ضررهم أكثر من نفعهم، حيث صرفوا جماهير وأئمة وجماعات، عن هؤلاء الأخيار، وأوقعوا في قلوبهم حقداً للعلماء، ووشوا بينهم، ونشروا الفساد، ونشروا السوء، وأفسدوا ذات البين، التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: {أن فساد ذات البين هي الحالقة} .
فهؤلاء لم يظهر لهم أثر، فنحن نسألهم ونقول لهم: أ