والآن -أيها الأحبة- نترككم مع ما قاله علماؤنا الأجلاء حول هذا الموضوع، ونبدأ بسماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وإنا لنرجو أن نجد لأقوالهم آذاناً صاغية، وقلوباً واعية.
الواجب على طلبة العلم وعلى أهل العلم معرفة واجب العلماء، والواجب عليهم حسن الظن، وطيب الكلام، والبعد عن سيء الكلام، فالعلماء والدعاة إلى الله جل وعلا حقهم عظيم على المجتمع.
فالواجب أن يساعدوا على مهمتهم بكلام طيب وبأسلوب حسن والظن الصالح الطيب، لا بالعنف والشدة ولا بتتبع الأخطاء وإشاعتها للتنفير من فلان وفلان.
يجب أن يكون طالب العلم ويكون السائل يقصد الخير والفائدة ويسأل عن ما يهمه، وإذا وقع خطأ أو إشكال سأل عنه بالرفق والحكمة والنية الصالحة، حتى يزول الإشكال.
فكل إنسان يخطئ ويصيب، ولا أحد معصوم إلا الرسل عليهم الصلاة والسلام فهم معصومون فيما يبلغون عن ربهم من الشرائع، والصحابة وغيرهم كل واحد قد يخطئ وقد يصيب، والعلماء كلامهم معروف في هذا والتابعون ومن بعدهم من الأئمة الأربعة وغيرهم، ليس معنى هذا أن الداعية معصوم أو العالم أو المدرس أو الخطيب.
لا.
قد يخطئون فالواجب إذا نبه أن يتنبه، وعلى من يشكل عليه شيء أن يسأل بالكلام الطيب والقصد الصالح حتى تحصل الفائدة ويزول الإشكال من غير أن يقع في عرض فلان أو النيل منه التشهير به.
العلماء هم ورثة الأنبياء، وليس معنى هذا أنهم لا يخطئون أبداً، فهم إن أخطأوا لهم أجر وإن أصابوا لهم أجران إذا طلبوا الحق واجتهدوا في طلبه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الصحيح: {إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران فإن حكم واجتهد فأخطأ فله أجر} .
وإخوتنا الدعاة إلى الله عز وجل في هذه البلاد حقهم على المجتمع أن يساعَدُوا على الخير وأن يحسن بهم الظن، وأن يبين الخطأ بالأسلوب الحسن بقصد الفائدة ليس بقصد التشهير والعيب.
وبعض الناس يكتب نشرات في بعض الدعاة، نشرات خبيثة رديئة لا ينبغي أن يكتبها طالب علم؛ لأنه ظن أنه أخطأ في كلمة، فلا ينبغي هذا الأسلوب، طالب العلم الحريص على الخير عليه أن يتحرى ويسأل عما أشكل عليه بالأسلوب الحسن.
والدعاة ليسوا معصومين سواء كانوا مدرسين أم خطباء أم محاضرين أم في ندوة.
ومن ذلك ما وقع في هذه الأيام ومن قبل أيام على بعض الدعاة، مثل محمد أمان والشيخ سلمان العودة والشيخ سفر الحوالي، والشيخ ربيع بن هادي وغيرهم من الدعاة المعروفين بالعقيدة الطيبة وحسن السيرة ومعروفين أنهم من أهل السنة والجماعة.
فلا ينبغي النيل منهم في شيء وإن ظن طالب العلم أن أحدهم أخطأ أو ظهر له أنه أخطأ، فلا ينبغي أن يشهر بذلك أو يسيء الظن، بل يدعو له بالتوفيق ويدعو له بالهداية، ويسأل فيما أشكل حتى يزول الإشكال بالدليل المعول عليه، قال الله وقال الرسول، ويقول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] .
فالواجب على العلماء وطلبة العلم الحلم والحكمة وطلب الحق بالدليل لا بالشدة ولا بالأسلوب غير المناسب، ولكن بالكلام الطيب والأسلوب الحسن وحسن الظن، فالخطأ يزول بالمراجعة والتماس الدليل، يزول الخطأ ويأتي مكانه الحق والصواب، والله يقول: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر} [العصر:1-3] ، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] .
فالتواصي بالحق والبر والتقوى يوضح الحق بالدليل وبالأسلوب الحسن والرفق وحسن الظن وبقاء المودة والمحبة، وأن الدعاة إخوان، والعلماء إخوان، وهم دعاة هدى ومن أهل السنة والجماعة، فيجب على طالب العلم إذا أشكل عليه شيء أن يسأل بالأسلوب الحسن من غير تشويش حتى تتم الفائدة.
والواجب كذلك على طلبة العلم والمؤمنين والمؤمنات هو طلب العلم بالدليل، والأسلوب الحسن، والنية الصالحة وليس بالأساليب التي تنفر ولا تفيد، وربما زرعت الشحناء والعداوة، قال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:53] {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] وقال تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت:46] وهذا مطلوب حتى مع اليهود والنصارى.
نسأل الله أن يوفق علماءنا وجميع دعاتنا وجميع المسلمين إلى الفقه في الدين والبصيرة والأسلوب الحسن، ونسأل الله أن يوفق طلبة العلم وجميع المسلمين بحسن السؤال والنية الصالحة حتى يستفيد الجميع ويتضح الحق بالدليل، وحتى تدوم المودة والمحبة والتعاون على البر والتقوى، وتزول الشحناء والتنافر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.