فمثلاً أشرت إلى تقصير الثياب، بعض الشباب -مثلاً- تجد أن من أعظم الأشياء وأكثرها حساسية في نفسه؛ أن يقصر ثوبه؛ حتى يكون تحت الركبة بأربعة أصابع، أو على أحسن حال إلى نصف الساق, وهذا ورد فيه أحاديث، وصح أنه فعل ابن عمر رضي الله عنه، كما في صحيح مسلم وغيره.
ولست أنكر هذا العمل بذاته, لكنني أنكر أن يصبح هذا الأمر هو الفيصل بيننا وبين الناس, والقضية التي نوالي ونعادي ونفاصل من أجلها ومن لم يقبل هذا الأمر اتهمناه بسائر التهم, بل إنني أقول إن الظاهر من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه أنهم لم يكونوا دائماً يقصرون ثيابهم بهذه الصفة, انظر مثلا ًالحديث الذي في صحيح البخاري، لما كسفت الشمس، خرج الرسول صلى الله عليه وسلم فزعاً يجر إزاره يخشى أن تكون الساعة أي: بسبب العجلة.
فلو كان إزار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ما تحت الركبة بأربعة أصابع، أو إلى نصف الساق، ما كان يمكن أن ينجر من العجلة.
وكذلك حديث أبي بكر رضي الله عنه، لما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإسبال, قال أبو بكر رضي الله عنه، كما في صحيح البخاري أنه قال: يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده -يسترخي أي: يصبح تحت الكعب أحياناً- قال: {إنك لست ممن يصنعه خيلاء} .
فهل نتصور أن إزار أبي بكر تحت الركبة بأربعة أصابع، أو إلى نصف الساق، ومع ذلك يسترخي حتى يصل إلى أن يكون تحت الكعب؟! فهذا يستبعد جداًَ، وهناك نصوص كثيرة من هذا القبيل.
فهذا يجعل الإنسان يعتدل في هذا الأمر, خاصة حين نرى أن علماءنا في هذا البلد، كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أو سماحة الشيخ محمد بن عثيمين، وكثير منهم, لا يتعاملون مع هذا الأمر بالصفة التي يستغربها العامة، بل العامة يحتجون بعلمائنا وأنهم لم يكونوا في لباسهم بصورة مخالفة لما عليه عامة المسلمين، من كون الثوب قصيراً بعيداً عن الإسبال، لكن ليس تحت الركبة بأربعة أصابع -مثلاً-, بل هو غير ملفت للنظر، وهو أقرب إلى أن يوصف بأنه طبيعي, ومع ذلك هم ملتزمون بالسنة لا شك, أما إذا وجد إنسان في بيئة تتقبل مثل هذا الأمر ولا تستغربه؛ فنحن لا نقول: إن هذا الأمر منكر، لكن نقول: إن هذا الأمر يلفت كثيراً من الناس، ويجعلهم يحاربون حتى ولدهم أحياناً فنقول: يمكن للإنسان أن يؤجل هذا الأمر، ويهتم بأمر آخر أكثر منه أهمية وعناية؛ لئلا تكون هذه القضية هي الفيصل وميدان الصراع، وتكون هي الشغل الشاغل للشاب في نومه ويقظته وذهابه ومجيئه, وهي قضية أكثر ما يقال فيها: إنها سنة.
مثل آخر: مسألة الصلاة بالنعال, ورد فيها أحاديث كحديث أبي سعيد وغيره، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه, وكذلك الصحابة، وفي ذلك أحاديث عديدة، لكن حين يوجد الناس في هذا العصر، وقد وضعوا في مساجدهم الفرش، وأصبحوا يعتنون بها عناية فائقة, ويكنسونها في اليوم عدة مرات, وهناك موظفون مخصصون لكنس المساجد وتنظيفها وما أشبه ذلك، وأصبح الناس ينفرون ممن يصلي في نعليه, أو يدخل للمسجد في نعليه.
أنا حين آتي إلى مسجد فأجد أنهم يصلون على الأرض أصلي في نعلي, أو أكون خارجاً في البر مع بعض الأقارب أصلي في نعلي؛ لأن الأمر حينئذٍ طبيعي, لكن حين آتي إلى المسجد بهذه الصفة، أرى الصلاة بالنعلين حينئذٍ فيها إثارة كبيرة, أنا في غنىً عنها، فلا أرى من المصلحة ولا من الخير أن أفعل ذلك، بل أخلع نعلي وأصلي بدونهما.
وأعتقد أن هذا -إن شاء الله- فيه تحصيل لمصالح كبيرة، إن كان فيه تفويت لشيء أقل منها, فلا بد من الاعتدال في تطبيق السنة.