فأي من المعاني نريد الآن؟ حين نتحدث عن السنة، وكيف ننشرها بين الناس؟ الحقيقة أن المقصود الأصلي، هو أقرب إلى المعنى الثاني، وإن كان ليس مطابقاً له؛ لأن هناك معنىً عرفياً شائعاً عند الناس حول السنة, هو الذي أقصده في هذا الحديث, وذلك أن الناس إذا قالوا: فلان ملتزم بالسنة يعنون أن فلاناً هذا ملتزم بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم, الهدي الظاهر المتعلق بالهيئة والصفة, كأن يكون هذا الإنسان معفياً لشعر لحيته مقصراً لثوبه محافظاً على الصلاة في الجماعة, وغيرها من العبادات بالصفة الشرعية التي كان عليها الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا يدخل فيه أشياء واجبة, وأشياء مستحبة ومندوبة, وكلها تسمى عند الناس السنة, ولا بأس بهذا, لأن هذا من باب إطلاق اللفظ على بعض أفراده, فإن هذه الأشياء ليست السنة كلها, لأن السنة تشمل الدين كله في الواقع, إنما هذه بعض السنة, ولا بأس من إطلاق الكل وإرادة الجزء, فهذا هو المقصود بهذه السنة.
المقصود بالسنة: التزام الإنسان بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم الظاهر، في هيئته وسلوكه العملي، من مأكل ومشرب وملبس وهيئة ظاهرة, إضافة إلى التزامه بالسنة في أبواب العبادة، في الصلاة ونحوها.
النقطة الثانية التي أريد أن أوضحها: هو أن علينا جميعاً واجباً تجاه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم باعتبارنا من أتباعه الحريصين على أن ننسب إليه, وعلى أن نرد حوضه صلى الله عليه وسلم، ونشرب منه تلك الشربة التي من ورده شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً, وحريصين أن ننال شفاعته صلى الله عليه وسلم ونكون من جلسائه في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
ومثل هذا الأمر الجليل لا بد أن يجاهد الإنسان في سبيل الوصول إليه, فإن الادعاء أمر ميسور وكما قيل: والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء كل إنسان يدعي دعوة لا بد أن يقيم عليها الدليل, فحين يدعي زيد من الناس أنه متبع للسنة أو سلفي -كما يعبرون بلغة العصر- لا بد أن يقيم دليلاً على هذه الدعوى, تثبت صدق ولائه للرسول صلى الله عليه وسلم, وصدق اتباعه للسنة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، ظاهراً وباطناً، وإلا فما أسهل أن يقول الإنسان بملء فيه: أنا سلفي, ثم ينقض هذه الدعوى بأقواله وأفعاله وسلوكه وغير ذلك، لا بد أن نحدد واجبنا تجاه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحدد هذا الواجب في نقاط: