عدم القنوط واليأس

الأمر الرابع: هو عدم القنوط واليأس، فإن هذا من أعظم مداخل الشيطان على الإنسان، والإنسان الواقع في المعصية غالباً يداخله شيء من اليأس، مع شيء من الاحتقار للنفس، واحتقار النفس شعور طيب، لكن اليأس لا يجوز {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87] .

وفي مثل هذه الحال، يُذكَّر العاصي بقول الرسول صلى الله عليه وسلم، في حديث أبي هريرة، الذي رواه مسلم: {لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم} وبمثل قوله صلى الله عليه وسلم، في الحديث السابق {كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون} وكيف يقنط الإنسان من رَوْح الله ورحمته؟! والله عز وجل يقول: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً} [الفرقان:70-71] .

على العاصي أن يتذكر أنه بتوبته أبدل الله سيئاته حسنات، والمعنى والله أعلم: أن الله تعالى كتب له في كل ذنبٍ كان يفعله توبةً من هذا الذنب، والتوبة حسنة، يثاب عليها، فيكون له يوم القيامة بكل ذنبٍ فعله توبةُُ يؤجر عليها، ولذلك، جاء في حديث مسلم عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً من النار، وآخر أهل الجنة دخولاً إلى الجنة.

ثم ذكر عليه الصلاة والسلام، أنه يؤتى برجل، فيقول الله عز وجل: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، ونحُّوه أو ارفعوا عنه كبارها فيقال له: أتذكر يوم كذا ذنب كذا وكذا؟ أتذكر ذنب كذا؟ وكذا؟ وهو يقول: نعم، نعم.

لا يستطيع أن يُنكر شيئاً من ذلك، فيقول الله عز وجل له: فإنني قد غفرتها لك، وأبدلتها حسنات -أو كما قال عز وجل، وهذا الإنسان يتذكر أن له ذنوباً عظيمة، فعندما كانت الذنوب عليه وهو ساكت، لكن لما رأى أن ذنوبه قد أبدلت حسنات- قال: يا ربِ عملت ذنوباً، لا أراها هاهُنا، أين المعاصي الكبار؟! التي عملتها، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجذه} .

هذا مما يدل على طبيعة الإنسان، الذي يفرح بالغُنْمِ، ويطالب به، ويسكت عن الغرم، فيوم كانت الذنوب عليه وهو ساكت، لكن لما صارت له، صار يطالب بها، وله بكل سيئة حسنة، كما رجح ابن القيم في طريق الهجرتين، وكما نقل عن الزجاج وغيره، أن المعنى: له بكل سيئةٍ حسنةٌ لتوبته من هذه السيئة، وإلا فالسيئة بذاتها، لا تكونُ حسنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015