تكرر التوبة والمعصية

وبمناسبة ذكر شروط التوبة، أشير إلى مسألة تخفى على كثير من الناس، وهي أن بعض الناس يتوبون إلى الله عز وجل، ثم يقعون في المعصية مرة أخرى، ثم يتوبون، ثم يقعون في معصية، وهذا غالباً ما يقع لأصحاب الشهوات، تجد شاباً -مثلاً- ينظر نظرة حرام، ينظر إلى امرأة، ينظر في المجلات، ينظر في الأفلام، ينظر إلى النساء، ينظر إلى مردان نظرة شهوة، أو تجده يقع في العادة السرية -مثلاً- أو قد يقع في الزنا، إلى غير ذلك من الشهوات، التي يغلب أن الواقع فيها إذا انتهى منها يُحس بالندم، فيقلع ويتوب، ولكن مع مضي الأيام يضعف وازع التوبة، ويقوى وازع المعصية؛ لضعف الإيمان في قلبه، فيقع مرةً أخرى، فإذا انتهى من المعصية، وذهبت اللذة، تذكر الإثم وشعر بالندم، حتى يقول له الشيطان: يا هذا أنت تتلاعب، ولا داعي أن تتوب؛ لأنك تعلم أنك ستقع في المعصية مرة أخرى، فييئسه من التوبة، وبعضهم قد يستدل بكلمة مشتهرة على الألسنة وهي: "ذنبٌ بعد توبة أشد من سبعين ذنباً قبلها"، وهذا كلام لا أصل له، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم، ذكر في الحديث الصحيح، في مسلم: {قصة الرجل من بني إسرائيل، الذي أذنب ذنباً، وقال: يا رب إني أذنبت ذنباً فاغفر لي، فغفر الله له، ثم أذنب أخرى، فقال: ربِّ إني أذنبت ذنباً فاغفر لي، فغفر الله له، ثم أذنب مرةً ثالثة، فقال: ربِّ إني أذنبتُ فاغفر لي، فقال الله عز وجل: عبدي علم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، افعل ما شئت، فقد غفرت لك} نحن لا نستطيع أن نقول: إن فلاناً من الناس، قال الله عز وجل له: افعل ما شئت، فقد غفرت لك، ولذلك لا يكون في مثل هذا مدعاة للإنسان: أن يُقدم على المعصية، لأن كل مؤمن في قلبه وازع يبعد عن المعصية، مهما كان الأمر، ولذلك الصحابة الذين قال الله عز وجل لهم: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:40] كأصحاب بدر، كانوا من أكثر الناس كراهية للمعاصي والآثام، وإحجاماً عنها، وإقبالاً على الطاعات، وخوفاً من رب الأرض والسماوات، مع أن الله عز وجل اطلع عليهم، وقال: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:40] فلا يغتر إنسان بمثل هذا، بل ينبغي أن يخاف من ذنوبه.

المهم أن الحديث يدل على أن تكرار وقوع الإنسان في الذنب، لا يدعوه إلى أن يترك التوبة، خوفاً من أنه ينقضها، وإذا تاب بصدق، تاب الله عليه، فإذا وقع في المعصية مرة أخرى، لا تنتقض توبته السابقة، بل توبته بحالها، ولا يكتب عليه إلا الذنب الذي فعله بعد التوبة، وهكذا، ولعل الإنسان أن يكتب له توبة نصوح، ولعله أن يموت على توبة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015