نجد كثيراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن كان لهم قصص عجيبة في التوبة، ولعل من أشهرها توبة أبي خيثمة، وأبي لبابة، وسعد بن مالك رضي الله عنهم وأرضاهم.
فتوبة ماعز، الذي جاء، -كما في الصحيح- إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {يا رسول الله زنيت فطهرني، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لعلك غمزت، لعلك قبلت، لعلك كذا، لعلك كذا، يفتح له أبواب العذر، قال: لا يا رسول الله قال: أبك جنون قال: لا.
وسأل عنه، فوجد رجلاً عاقلاً، واستنكهوه فلم يوجد فيه رائحة الخمر، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم، وأخبر بصدق توبته عليه الصلاة والسلام} .
وأعجب منه الغامدية الجهنية، التي جاءت إليه عليه الصلاة والسلام تذكره ذنبها، قالت: {يا رسول الله، لقد زنيت فطهرني، فكأنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم سيردها، فقالت: لعلك تريد أن تردني، كما رددت ماعزاً، فو الله إني لحبلى من الزنا} .
هذه هي التوبة، التوبة: ندم يحرق القلب، وخز في الضمير، عذاب يقلق الإنسان، فلا يستقر ولا يهدأ، حتى يكفر عن ذنبه، فتأتي هذه المرأة -وهي امرأة فيها طبيعة المرأة من الضعف الذي جبلت عليه- ومع ذلك تأتي، وهي تعلم، ما هي العقوبة المقررة على مثلها من الزناة المحصنين، أنه الرجم بالحجارة حتى الموت، ومع ذلك تقول: لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعزاً، والله إني لحبلى من الزنا، فيقول لها النبي صلى الله عليه وسلم: {أما لا فاذهبي حتى تلدي} عندها فرصة تسعة أشهر، أو ثمانية أشهر، فربما لم تعد، لكنها عندما ولدت أتت بالصبي، {يا رسول الله هأنا قد ولدت، قال لها: اذهبي حتى تفطميه} كما في بعض الروايات، فتذهب وأمامها ربما سنتان، فكان بإمكانها أن لا تعود، والعجيب أيها الإخوة، أن سنتين وتسعة أشهر كافيه في لهدوء هذا العذاب الموجود في قلب الإنسان، فالمعتاد أن الإنسان إذا وقع في المعصية يندم في ساعتها، لكن مرور الأيام والليالي يخفف من حدة العذاب الموجودة في قلبه، لكن هذه المرأة بعد سنتين وتسعة أشهر تأتي بالصبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يده كسرة خبز، وكأنها تريد أن تقدم الدليل المادي للرسول صلى الله عليه وسلم، أن هذا الصبي قد فطم فعلاً، وأصبح يأكل الخبز: {يا رسول الله هذا قد فطمته} فيرجمها المسلمون، ويشهد النبي صلى الله عليه وسلم بصدق توبتها -هي الأخرى- كما شهد بصدق توبة ماعز رضي الله عنهم أجمعين.