توبة أبي محجن

أيها الإخوة ومن قصص التائبين، قصة أبي محجن الثقفي رضي الله عنه، وكان أبو محجن صحابياً، ولكنه كان مُولعاً بشرب الخمر، لا يسلو ولا يصبر عنها، حتى رُوي عنه أنه كان يقول: إذا مِتُ فادفني إلى جنبي كرمةٍ تُرَوِّي عظامي بَعد موتي عُروقُها ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما متُّ ألا أذوقها والله أعلم إن صح هذا عنه، أو لم يصح، لكنه كان يشرب الخمر، فيجلد، فيشربها فيجلد، وأخيراً حبسه سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه وأرضاه، فلما كانت معركة القادسية، بين المسلمين والفُرس، نظر أبو محجن الثقفي رضي الله عنه إلى المسلمين، فكأنه رأى فيهم ضعفاً، وانكشافاً، فثارت حميته الدينية، وثارت غيرته الإسلامية، وهكذا كان عُصاة ذلك الزمان، الذين قد يقعون في بعض المعاصي، تجد أن الواحد منهم ولاؤه للإسلام، وحبه للإسلام، وعاطفته مع الإسلام والمسلمين وإن وقع في بعض المعاصي، لكن المُصيبة كل المصيبة في كثيرٍ من العصاة في الأزمنة المتأخرة، تسللت المعاصي إلى أعماق قلوبهم، فأصبح الإنسان ولاؤه لغير الله، وبراؤه لغير الله، وحبه، وعطاؤه، ومنعه، لغير الله عز وجل، فقد يعادي المؤمنين، ويوالي غيرهم، ويُحب الضلال والفساق، ومن كانوا أشباهه ونظراءه، وقد يأنس بالكافرين، والمجرمين، والضالين، ويستوحش من المؤمنين، والمطيعين، وهذه هي المصيبة التي لا جبر لها إلا التوبة، فالتوبة تجب ما قبلها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى أبو محجن الثقفي انكشاف المسلمين، تحسر، وبكى، وأقبل، وأدبر، وهو يرسف في قيوده، وصار يتمثل بأبياتٍ من الشعر، يقول: كفى حَزناً أن تُطْرد الخيل بالقنا وأُترك مشدوداً عليَّ وثاقيا إذا قُمت عناني الحديدُ وغلِّقت مصاريعُ دوني قد تَصُم المناديا وقد كُنت ذا مالٍ كثيرٍ وإخوةٍ فقد تركوني واحداً لا أخا ليا ولله عهدُ، لا أخيس بعهدهٍ إذا فُرِّجت ألا أزور الحوانيا يعني ألَِا يزور حانات الخمر التي كان يتردد إليها، ثم قال لـ سلمى زوجة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه: [[إنني أُريدُ مِنك أمراً وأعاهدك أن أصدق فيه: فكي قيودي، وأعطيني هذه البلقاء -وهي فرس سعد رضي الله عنه- أُقاتل بِها، فإن قتلت فبها، وإن لم أُقتل، فإنني أحلف لك بالله، أن أعود حتى تضعي القيد في رجلي]] فلما رأت صِدقه، فعلت وفكت قيده، وأعطته البلقاء فركِبها، وصار يجول بالمشركين، فيبدأ بالميمنة، لا يبينُ له أحدٌ إلا قتله، حتى لعب فيهم لعباً، ثم جاء من خلف المسلمين إلى ميسرة الأعداء، ففعل بهم مثل ذلك، ثم جاء واقتحم صفوفهم في الوسط، وفعل فيهم الأفاعيل، والمسلمون ينظرون إليه ويتعجبون!! حتى إن سعداً، وهو قائد المعركة، يقول: [[والله لولا أن البلقاء مربوطة، لقلت هذه البلقاء، ولولا أن أبا محجن مأسور لقلت هذا أبو محجن، ما رأيتُ خيلاً أشبه بالبلقاء أشبه من هذه، ولا فارساً أشبه بـ أبي محجن من هذا]] .

فلما انتهت المعركة جاء أبو محجن، وعادَ إلى البيت، فوضعت سلمى زوجة سعد القيد فيه، فلما جاء سعدٌ قصَّ خبر ما رأى لزوجته، فقالت له: [[هو والله أبو محجن]] فجاء سعد رضي الله عنه، وفَك عنه القيد بيده، وقال له: [[له لا جَرم، والله لا حبسناك أبداً]] فقال: أبو محجن: [[وأنا واللهِ لا شربتُ الخمر أبداً]] والقصة رواها عبد الرزاق وغيره من المصنِفين، وفيها من العِبر ما هو ظاهر، ومن أبرزها: صدق أبي محجن وإيمانه على رغم وقوعه في هذه المعصية، ومنها أن الإنسان يكون له حالات، إذا وجد من يستحث الإيمان في قلبه، ويحركه فإنه يقلع عن المعصية، فهذا أبو محجن الذي لم يفد فيه الضرب، والجلد، والحبس، والقيد، أفادت فيه كلمة صادقة من سعد، فيها تقديرٌ لبلائه وجهاده، حين قال له: [[لا جرم، والله لا حبسناك أبداً فقال: لا جرم وأنا لا شربت الخمرَ أبداً]] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015