ومن قصص التائبين العجيبة، ما رواه أبو طاهر السلفي، من قصة عبد الله بن مسلمة القعنبي، تلميذ الإمام مالك، فإن عبد الله هذا كان بالبصرة، وكان رجلاً كثير المجون يكثر من الشرب، وله قومٌ من الأحداث المردان، يجلس معهم، وفي ذات يوم كان خارجاً، واقفاً عند بابه، ومعه سكين مثلما نلاحظ اليوم في كثير من الشباب في فترة المراهقة، حين يكون فيهم طيش واندفاع وغير ذلك فكان واقفاً في السوق، فمر به شعبة بن الحجاج، رحمه الله، أحد أئمة الحديث، فاستوقفه، وقال للناس لمن حوله: من هذا؟ قالوا هذا شعبة، قال: وما شعبة؟ قالوا: محدث من علماء الحديث، فأمسك به، وقال: حدثني، قال له شعبة: وقد رأى من شكله وملابسه، وهيأته أنه ليس من أهل هذا الشأن قال: لست بأهل بأن أحدثك بالحديث، لست من أهل الحديث، فقال: حدثني وإلا جرحتك بهذه السكين التي في يدي، فقال له شعبة: حدثني منصور، عن ربعي، عن أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {إذا لم تستح فاصنع ما شئت} وهكذا يكون العالم مؤتىً يستطيع أن يقول الكلمة المناسبة في الوقت المناسب، لأن هذا الحديث مناسب لحال هذا الغلام، في تلك الحال، فتركه القعنبي، ودخل إلى بيته، وقد وقع في قلبه الحياء من الله عز وجل.
كلمة وقعت في القلب!! وقال لأمه: إذا جاءك أصحابي، فأدخليهم البيت وأطعميهم، وأخبريهم، بما أحدث الله لي من التوبة، وإراقة الخمور، وكسر أوانيها، حتى لا يعودوا مرةً أخرى، ثم خرج إلى المدينة، وأخذ العلم عن الإمام مالك، ولما عاد إلى البصرة، كان شعبة رضي الله عنه قد مات، فلم يرو عنه إلا ذلك الحديث: {إذا لم تستح فاصنع ما شئت} .