القصة الثالثة: أرسل الحجاج وهو من هو في بطشه وظلمه وعدوانه، كان والياً معروفاً في العراق، فأرسل إلى رجل يقال له: ماهان - أبي صالح المسبح - وكان رجلاً فاضلاً ديناً عالماً، فقال له الحجاج: إنه بلغني عندك دين وعلم وصلاح، وإنني أحببت أن تلي القضاء، فقال: أنا! قال: أنت، قال: كيف ألي القضاء وأنا لا أستطيع أن أعد من واحد إلى عشرة؟ قال: أنت تتباله عليَّ -يعني: تدعي البله في مجلسي- وتكلم عليه الحجاج وسبه، وقال: أنت مراءٍ، فغضب ماهان من كلام الحجاج وسبه، وخرج من عنده إلى النهر وكان قريباً فقال بأعلى صوته -والناس يسمعون ويرون-: اللهم إن كنت مرائياً فأغرقني، ثم وقع في النهر، فوقف على النهر قائماً وحفظه الله تعالى فلم يغرق حتى خرج يمشي إلى ضفة النهر، فجاءوا به إلى الحجاج، فأمر الحجاج بصلبه، فصلب على باب داره وهو مصر على ذلك، فكان الناس يحيطون به، وفي مثل هذا الموقف رأى هذا الرجل الفاضل بعض التابعين وبعض العلماء والفضلاء ينظرون إليه ويشاهدونه، فقال لواحد منهم: أنت تنظر إلي وتقف مع النظارة! لا تفعل، فإني أخشى أن ينزل عليك سخط الله، اذهب عني.
فانظر إلى هذا الرجل كيف ثبت على موقفه، وكيف أصر على موقفه، ورفض أن يعمل عند هذا الحاكم الظالم المتغطرس الحجاج بن يوسف، الذي ملأ الدنيا ضجيجاً وصراخاً وسفك دماء المؤمنين بغير حق على ما هو معروف من سيرته وتاريخه، حتى قام عليه من قام من القراء المعروفين على ما هو معروف تفصيله في التاريخ، المهم أن هذا الرجل أبى أن يلي له عملاً واجتهد في ذلك حتى صلب بسببه، ولم ينس وهو في موقف الصلب أن يقدم هذه النصيحة لبعض الحضور من طلبة العلم: أنت يا طالب العلم ليس هذا موقعك، تأتي تتفرج علينا ما نفعت ولا دفعت ولا أنكرت وأصبحت متفرجاً، لا.
إذا كانت المسألة مسألة تفرج فاذهب إلى بيت أبيك وأمك واستخفِ فيه لا ينزل عليك غضب الله عز وجل.