وإن الاعتراف بالذنب في الإسلام لا يعني الإقرار بفعل الذنب، بل إن العبد ليس مطالب بأن يقر بفعل الذنب في هذه الدنيا، وربما لو تاب وستر نفسه؛ لكان خيراً له في الدنيا والآخرة من أن يفضح نفسه، أو أن يعرض نفسه للعقوبة، أو لإقامة حد من حدود الله تعالى عليه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من بلي بشيء من هذه القاذورات؛ فليستتر بستر الله عز وجل} .
ولكن المقصود أن يعترف بين يدي ربه جل وعلا، الذي يعلم السر وأخفى، ولا تخفى عليه خافية أن يعترف بأن ما فعله خطأ، وذنب، ومعصية، وذلك دليل الإيمان بالله تعالى؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك؛ فأنت مؤمن} .
فالمؤمن هو ذلك الذي يلدغ الشعور بالذنب قلبه، ويكوي فؤاده، ويؤرقه فيتقلب على فراشه على مثل جمر الغضى؛ من الشعور بالذنب وقلق المعصية، والتوتر والخوف من عقاب الله تعالى أن ينزل به ليلاً أو نهاراً، اليوم أو غداً.
إنه اعتراف بأن ما فعله خطأ؛ ولذلك تراه يتوب ويستغفر وهاهو المؤمن يقول -في صباح كل يوم ومساء كل ليلة- كما أمر وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث شداد بن أوس في صحيح البخاري، أنه قال عليه الصلاة والسلام: {سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوءُ لك بنعمتك علي، وأبوءُ بذنبي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
من قاله حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة، ومن قاله حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة} وذلك لما احتواه هذا الاستغفار من الإقرار بالذنب، والاعتراف به، والإقرار بنعمة الله تعالى على العبد.
وفي الحديث الآخر -أيضاً- الذي رواه البيهقي وأبو نعيم عن عائشة -وهو صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً} .