حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى بأن يعترف بذنبه، ويستغفر الله تعالى منه، فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19] وقال: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:106] .
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار فكان إذا انصرف من صلاته، قال -وهو مستقبل القبلة قبل أن ينصرف إلى الناس-: {أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله} كما في حديث عائشة وهو في صحيح مسلم، وكما في حديث ثوبان وغيرهما فقال هذا الاستغفار عقب طاعة من الطاعات وهي الصلاة.
كما أمره الله تعالى أن يستغفر عقب طاعة أخرى في مناسك الحج فقال: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199] .
فإذا كان العبد حتى النبي المصطفى المختار عليه الصلاة والسلام يطلب منه أن يستغفر بعد طاعة، وصلاة، ونسك، وبعد ذكر، فما بالك بالخطائين المذنبين الذين غرقوا في أوحال المعصية إلى أذقانهم وتلطخوا بها؛ واشتملوا عليها! وما بالك بالعبد وهو يخرج من ذنب، أو يقلع من معصية، أو يتوب مما لا يرضي الله عز وجل! فإنه أولى أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يستغفر الله عز وجل استغفاراً يتواطأ فيه اللسان مع القلب، فإنه خير الاستغفار.
أما أن يستغفر بلسانه وقلبه مصر على المعصية، فإن هذا لا يكون قد استغفر الله تعالى حقاً، ولهذا قال أحدهم: أستغفر الله من أستغفر الله من كلمة قلتها لم أدرِ معناها إنه يستغفر من أنه ينقض بفعله ما قاله بلسانه، فذلك الإنسان الذي يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت؛ ثم ينقض عهد الله تعالى من بعد ميثاقه، ويقطع ما أمر الله تعالى به أن يوصل، ويترك ما أمر الله تعالى أن يفعل، ويفعل ما أمر الله تعالى أن يترك، أين هو ممن يعترف بذنبه، أو يقر به، أو يفي بعهد الله تعالى وميثاقه؟! إن هذا هو الاعتراف الحق أن يعترف العبد بقلبه بما وقع من الذنب والحوب والمعصية؛ ثم ينطق اللسان بما اشتمل عليه القلب من الإقرار لله تعالى، والتوبة إليه، والندم على ما فات، والعزم على ألا يعود.
وهذا هو ما دعا إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام، فقال سبحانه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10-12] .