إن فرص السلام تظل ضعيفة -فرص السلام الحقيقي الذي يطالبون به حتى في نظرتهم هم هي فرص ضعيفة- فعلاقة الأنظمة العربية بعضها ببعض، وعلاقة الأنظمة العربية بشعوبها علاقة سيئة جداً، وما من دولة عربية أو نظام عربي إلا وبينه وبين جيرانه عداوات تبدأ ولا تنتهي، وكأن لسان حالهم يقول: من لم يلوث يده بدم جاره فإنه على الأقل صفّق للعدوان على جاره، وهذا يجعل الدول العربية في الوقت التي تسعى فيه إلى إقامة علاقات ممتازة مع إسرائيل.
فإنها قد نجحت في تمزيق الروابط والجسور مع الدول العربية الأخرى، فلم تكن الدول العربية والإسلامية في ظرف من الظروف، أو في أي وقت من الأوقات أكثر منها تفككاً، وتمزقاً، واختلافاً، وعداوةً منها الآن، وهذا يعطي فرصاً كبيرة لإسرائيل للحصول على مزيد من المكاسب، فضلاً عن أن القوى المعادية نجحت في نقل العداوة من عداوة بين الحكومات إلى العداوة بين الشعوب مع بعضها، فإن كثيراً من الشعوب العربية اليوم أصبحت عدوة للشعوب الأخرى.
وعلى سبيل المثال تجد كثيراً من المسلمين -دعك من العرب- إذا ذُكر الفلسطينيون شتم وسب، بل إنك تسمع من يقول هم شر من اليهود، ويقول: لأنهم فعلوا في الكويت كذا وكذا، فكم عدد الذين فعلوا في الكويت؟ كم عدد الذين تحالفوا مع الغزو العراقي للكويت من الفلسطينيين؟ لا أحد يستطيع أن يقدر عددهم ولكنهم بالتأكيد ليست هذه قضية شعب وإنما قضية أفراد وربما أن السبب في هؤلاء الأفراد هو أن الشعب الفلسطيني ظل طيلة الوقت وهو ألعوبة بيد الحكام، بمعنى أنه ليس النظام العراقي هو النظام الوحيد الذي حاول أن يبتز بعض الشعوب العربية والإسلامية، بل قد عملتها أنظمة عربية أخرى كثيرة، كذلك تجد العداوة مع الشعب اليمني، والعداوة مع السعودي، ومع السوري، ومع العراقي، فأصبحت القضية عداوة بين الشعوب وليست عداوة مع الحكام، وليست عداوة مع فئة ظالمة من الشعوب.
فنحن جميعاً نعادي -مثلاً- الشيوعيين، سواء كانوا فلسطينيين، أو أردنيين، أو يمنيين، أو مصريين، أو حتى كانوا من السعوديين، أو من أي بلد آخر، ونعادي المنافقين أيّاً كان لونهم، ونعادي الكافرين أياً كان مذهبهم وأياً كان بلدهم، وبالمقابل نحب المسلم الذي يحب الله ورسوله ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلي الصلوات الخمس مهما كان بلده ومهما كانت جنسيته، فإن جنسية المسلم عقيدته، ولا يجوز أن ننساق وراء هذه الأشياء التي لم تقتصر على نطاق محدود، بل أخذت مأخذ التعميم والشمول، فينبغي أن لا يؤخذ أحد بجريرة غيره، فالظالم ظالم، والمخطئ مخطئ ولابد أن ينال جزاءه، لكنه لا يمكن أن يؤخذ أحد بجريرة غيره بحال من الأحوال.