إن المشكلة التي نعانيها الآن، والتي يجب أن نعيها جيداً: أننا لسنا بصدد مجرد تنظير من اليهود للحرب ضد الإسلام، أو نزع فتيل العداوة من قلوب المسلمين ضد اليهود! بل نحن الآن بصدد مخططات للنفاذ والتأثير، وهي مخططات التطبيع والمطالبة بالتبديل والتغيير في معتقداتنا وعقولنا وإعلامنا وتعليمنا، فلم تعد مجرد نظريات، أو أفكار، أو دراساتٍ، أو بحوث، أو أطروحات، بل أصبحت عبارة عن أشياء، فتجتمع المؤتمرات في مدريد وغير مدريد، بل وقبل ذلك في كامب ديفد، وفي لبنان وفي بلاد المغرب، وفي الأردن، تجتمع لتتكلم عن سبل التنفيذ، ولترسم المخططات التفصيلية، ولتبدأ عملياً وتناقش أولاً بأول ما تم تنفيذه من هذا.
إذاً: القضية لم تعد مجرد نظريات أو مخاوف، بل أصبحت أموراً يسعون إلى تنفيذها واقعياً بشكل كبير، إن هذا التخطيط الإسرائيلي تجاه القضية الإسلامية قد اتخذ أنماطاً متعددة بدأت بتوجيه جهد مركز لتأسيس علاقات مع جامعة الأزهر، وإجراء ما يسمونه بحوار ديني على المستوى الشعبي، ويمكن أن يشار بهذا الصدد إلى المؤتمر الذي يسمى: مؤتمر التوحيد بين الأديان الثلاثة اليهودية والنصرانية والإسلام، وقد عقد هذا المؤتمر أول مرة في مدينة القدس عام (1979م) ، وشارك فيه من الجانب المصري مجموعة بدعوة من معهد إسبن الأمريكي للدراسات، ومؤتمر وحدة الأديان الذي عقد في إحدى المدن في أمريكا.
وبعد ذلك عقد مؤتمر في سيناء عام (1984م) ، وضم يهوداً ومسيحيين ومسلمين، وقام الجميع بأداء صلاة مشتركة من كل الأديان، وهي عبادة عن صلاة موحدة يقوم بها المسلمون واليهود والنصارى في وقت واحد، وعلى حد سواء، إضافة إلى مؤتمر يسمونه مؤتمر النساء المقدسيات -بل هو مجموعة من المؤتمرات بالأصح- قامت بها مجموعة من النساء اللاتي تأسست لهن منظمة عام (1979م) في ظل ظروف ما يسمى بكامب ديفد، وذلك بهدف توثيق السلام بين مصر وإسرائيل من خلال الحوار الثقافي بين المسلمين والمسيحيين واليهود في الدولتين، وممثل هذه الأديان في أمريكا الشمالية، وقد عقدت هذه المنظمة النسائية العديد من الندوات، منها ندوتان في القاهرة: ندوة في التقارب بين الإسلام واليهودية، عقدها المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة بعد تأسيسه عام 1982م وهناك محاضرة نظمها المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة.
كما أخذ هذا المخطط شكل رموز وشعارات كان أبرزها مشروع مجمع الأديان الذي حاول الرئيس المصري السابق تأسيسه في سيناء وكان يهدف -كما هو معروف- إلى إقامة مجمع يضم مسجداً إسلامياً وكنيسة مسيحية، ومعبداً يهودياً في سيناء، وقد تبناه الرئيس السابق لمصر بحماس بالغ، وروج له منظرو فلسفة التطبيع، واشترك في تصميم المشروع ثلاثة مهندسين أحدهم مصري مسلم، والثاني فرنسي مسيحي، والثالث يهودي إسرائيلي، والمؤكد أن الفكرة لم تكن رمزاً لوحدة المصير الإنساني، أو تجسيداً لمفهوم الإيمان لدى جميع المؤمنين بالأديان الثلاثة، كما كان يقول الرئيس المصري السابق، وإنما كانت رمزاً لخلط المفاهيم والعقائد، وسرعان ما ظهر على الساحة من يبشر بأن الإسلام هو الإيمان بالله فحسب، ويقول بأن اليهود مسلمون، وقد ظهرت كتب في الأسواق المصرية مطبوعة في حيفا، تدعو إلى المذهب القادياني، كما ظهرت فكرة الصلاة المشتركة في سيناء، والذي يتتبع الشهادات الحية -التي أوردها رجل اسمه حازم هاشم، الذي كان حاضراً في تلك الصلوات- يُذهل من حجم التدليس، ومحاولة تمييع العقيدة الإسلامية، وتشويه العبادات التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم تقتصر جهود اليهود والصهاينة على مواجهة الفكرة الإسلامية فحسب، بل اتجهت إلى مواجهة التنظيمات الإسلامية في مصر كالإخوان المسلمين مثلاً والجماعات الإسلامية الأخرى، ويلمس المتتبع للإعلام اليهودي نغمة تخويف مستمرة من دور هذه التنظيمات ورغبتها في تحقيق ثورة خمينية، أو على الأقل طبعة منقحة من تلك الثورة الخمينية، أو التأكيد على دور التنظيمات الأصولية في عرقلة السلام والتطبيع إلى غير ذلك.
ونحن ندرك أن هذه النغمة قد ظهرت من جديد، فهاهم حلفاء اليهود أصبحوا يخوفوننا من ثورة خمينية، أو نسخة منقحة منها، ويخوفون من التنظيمات الأصولية ومن العلماء، والدعاة، وطلبة العلم، باعتبار أنهم أقوى جهة معارضة لمشروعات السلام والتطبيع في المنطقة.
إن من أخطر الأمور التي تواجهنا الآن هي عقد المؤتمرات التي تسعى إلى التوحيد بين الأديان، أو ما يسمونه بالإخاء الديني، وهو الذي بدأ يبرز، وإنني لأعلم أن ببعض البلاد الإسلامية التي لا تسمح أصلاً بإقامة أي جمعية؛ إلا بعد أن توقع على معاهدة الوحدة الوطنية التي تضمن أن لا تمس أي جمعية بحقوق الأقليات الأخرى، ونعلم دولاً أخرى أصبحت تجعل يوماً من إعلامها للمسلمين، ويوماً آخر لليهود، ويوماً ثالثاً للنصارى، ويوماً رابعاً للبوذيين، ويوماً خامساً للهندوس، ويوماً سادساً للعلمانيين، وفي اليوم المخصص للمسلمين لا تكاد تأتي إلا بطفل يتعلم في الكُتّاب ومعه عصا يشير به إلى المصحف، ويعتبرون أن هذا هو ما يمكن أن يقوموا به في الدعوة إلى الإسلام، وإبراز الصورة الإسلامية من خلال جهاز الإعلام، أما في بقية الأيام فإنهم يأتون بإعلام متطور متقدم استخدم التكنولوجيا المعاصرة في الوصول إلى عقول المسلمين وتشويهها وتبديلها.
ونعلم بلاداً إسلامية ليس لديها استعداد أن تقيم معهداً للدراسات العربية أو الإسلامية إلا بشق الأنفس، لكنها تقيم وبكل سهولة عشرات المعاهد الفنية في الموسيقى، أو في التعليم، أو في الرقص، أو في الفن، أو في غيرها لليهود ولغير اليهود، ونعلم بلاداً إسلامية تعتذر عن استقبال العلماء، ولكنها تستقبل بكل حفاوة وبكل رحابة صدر، بل وبكل حرارة فناناً يهودياً أعمى، وتجلب بخيلها ورجلها في استقبال هذا الفنان، وتعتبر هذا من ضمن منجزات ذلك العصر وذلك الرئيس الذي بليت به تلك البلد، كما بليت بلاد أخرى بأمثاله ونظرائه لا كثرهم الله.