الصراع قد يهدأ حيناً وقد يحتدم حيناً آخر، فهو مثل المعارك الحربية، فالمعركة الحربية -كما هو معروف- فيها حرب وفيها هدوء حذر -كما يقولون- ومنها سلم، وهكذا الصراع بين الحق الباطل قد يحتدم أحياناً وقد يهدأ أحياناً أخرى، وهذا يبرز كثيراً في مجتمعاتنا الإسلامية اليوم.
في وقت مضى كان الصراع يمر بمرحله يمكن أن نسميها بمرحلة فتور أو هدوء، ولذلك كان غالبية الناس في المجتمعات الإسلامية هنا وفي كثير من البلاد كانت غالبيتهم في مرحلة وسط هم بالصالحين صلاحاً يذكر ويتحدث عنه، ولا هم بالمنحرفين انحرافاً مشهوراً ومعروفاً، بل هم وسط فيهم خير وفيهم تقصير غالبية الناس كانوا كذلك؛ لأن المرحلة مرحلة الفتور والصراع بين الحق والباطل.
الآن أرى أن الموضوع بدأ يتجه نحو الاحتدام وظهور هذا الصراع بشكل أكثر وضوحاً، ولذلك تجد أن مرحلة الوسط التي كان الناس فيها بالأمس؛ هذه المرحلة بدأت تتآكل وبدأ الناس الذين في الوسط يقلون، وصار غالبية الناس إما أن يتجه نحو الخير وإما أن يتجه نحو الشر، والذين في الوسط يقلون ويرجعون تدريجياً، ولذلك تجد أن الإنسان عندما يتحدث عن الخير والصلاح، والمحاضرة، والكتب العلمية، والصحوة الإسلامية يجد ميداناً خصباً للحديث، لأن كثيراً من الناس أقبلت على الخير، لكن هذا لا ينبغي أن ينسيك أن جزءاً من هؤلاء كانوا في الوسط واليوم صاروا طيبين، بالمقابل هناك أناس آخرون استهلكتهم التيارات المنحرفة، والمذاهب الضالة، والبدع، والخرافات، والمعاصي، والفسوق، وألوان الانحرافات الموجودة، فبدأ الأمر يتميز، وبدأت المجتمعات تتميز كما ورد في بعض الآثار: {إلى فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه} وهذا الاحتدام في الصراع بين الحق والباطل، والذي من نتيجته اليوم في المجتمعات أنه بدأت اليوم الأمور تتميز وتتضح أكثر، يبدو لي أنه مؤشر إلى أن الصراع بدأ يكون علنياً وليس خفياً، بدأ يتجه نحو العلنية، ولذا تجد الآن أن الصراع بدأ يتجه نحو الميدان العام، وهذا يؤكد على حملة رسالة الإسلام، أو يؤكد على الناس عموماً أولاً: ضرورة تحديد الموقف -كما أسلفت في البداية- الحياد لا مكان له هنا، لأن الوسط لا يكاد يوجد في أحد.
فلا بد للإنسان أن يحدد موقفه إما مع الإسلام أو مع خصوم الإسلام.
النقطة الثانية: أنه يؤكد على حملة رسالة الإسلام -بالذات- أنه لا بد أن يبذلوا جهودهم بالسبق إلى الميادين العامة التي تؤثر في المجتمع، السبق إلى أجهزة الإعلام، الجامعات، المؤسسات، الجمعيات، الوسائل، المراكز القيادية التي تؤثر في المجتمع بحيث يمكن توجيه الناس ليس من خلال المسجد فقط، بل من خلال كل وسيلة ممكنة يمكن أن يسمع صوت الحق، لأن هناك سباق وصراع على هذه الميادين، وإذا ما استطاع أهل الإسلام أن يسعوا إلى هذه المجالات فلنثق أن هناك من يتربص بهذه الأمور ويسعى إلى السبق فيها؛ بل لسبق فيها، والواجب على المسلمين وأهل الإسلام أن يستدركوا ما حدث من تقصير فيما مضى، هذا ما أريد أن أقوله، وأرجو ألا أكون قد أطلت عليكم في هذه الكلمات.
وأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من حملة الحق والدعاة إليه، المجاهدين في سبيله بأموالهم وأنفسهم بما يستطيعون، وأن يكتب النصر لجنده وأوليائه، كما وعد الله جل وعلا: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173] أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.