لابد مع قبول المكاسب الجزئية المطالبة بما هو أكبر منها

إذن لا بد من الإيمان والقبول بالمكاسب الجزئية، والمطالبة بما هو أكبر منها كما سبق، فليست الأمور كلها (100%) أو صفراً فتطلب دائماً الطفرات، أو تفسر المكاسب تفسيراً غير دقيق بناء على أن المقصود منها المجاملة أو الاحتواء أو غير ذلك، وأضرب لك مثالاً يوضح لك ما قصدت: أنت تطلب الكمال، فوجدت -مثلاً- في أسواقنا وفي كل مكان أن الأسواق ممتلئة بأماكن الخياطة النسائية، والخياطون رجال، وهذه الصورة في الواقع صورة شاذة؛ لأنه رجل تقف أمامه امرأة لمدة نصف ساعة أو ساعة أو ساعتين أحياناً ويرى بعض مفاتنها، وتتحدث معه، وقد تضحك معه وقد تتصل معه بالهاتف إلى آخره، فهذه الصورة صورة شاذة، ولكنها أصبحت مألوفة في المجتمع؛ لأنها موجودة، فبعد فترة نجد أنه وجد في المجتمع أماكن خياطة نسائية للنساء، -يعني: الخياطات نساء-.

ووجدت أن كثيراً من الناس يقول لك: هذه أماكن الخياطة النسائية غير مريحة وهي مشبوهة، وأنا لست أزكيها ولا أدري عنها شيئاً، لكني أقول: على كل حال هي أفضل إجمالاً من أماكن الخياطة الرجالية؛ لأن الأصل أن المرأة، تتعامل مع امرأة مثلها، وينبغي أن تضبط ويحافظ عليها أو تراقب بالوسائل الممكنة، لكن لا ينبغي أن تحارب بحجة أنه يتسنى للمرأة أن تتصل بها وتفسدها أكثر مما يتسنى للرجل، لأن الأصل أن تتعامل المرأة مع امرأة.

مثلاً المضيفات: تعرف أن المضيفات في الخطوط هنا قد ألزمن بالحجاب، ومثلهن الممرضات في بعض المستشفيات، فهذا مكسب، وهو مكسب جزئي ولا شك أنه ليس كل ما ننادي به، ولا كل ما نطالب به، لكن احسب أنه واحد من ألف أو عشرة آلاف مما هو مطلوب، وينبغي أن نسعى إلى تحصيله، فأنت تنظر حينئذ على أنه مكسب تفرح به وتطلب المزيد، فلا تتوقف؛ لأنه حصل لك ما تريد، فهذا شيء مما تريد، وهو ليس جديداً لأنه هو الأصل.

وكان يفترض ألا يوجد الخطأ حتى يحتاج إلى تصحيح، فكان يفترض ألا يوجد في المجتمع إلا المتدينات المحجبات، والمتسترات البعيدات عن أي لون من ألوا ن التبرج، لكن إذا وجد هذا المنكر، فالسعي في إزالته واجب، والفرح بزوال المنكر أو بعضه هو أمر فطري، لا يملك الإنسان حياله إلا أن يفرح.

مثله -أيضاً- البنوك الإسلامية الأصل ألا يوجد في أي مجتمع مسلم إلا بنك إسلامي على وفق الشريعة، وهذا ممكن، وليس أمراً مستحيلاً، وتهويل هذا الأمر هو من الحيل النفسية، فمن الممكن أن تكون كل بنوكنا إسلامية، وكل معاملاتنا إسلامية، ولا يشترط أن تكون كذلك بين يوم وليلة، بل نعطي الفرصة لترتيب هذا الأمر، والمقصود أنه عندما تفتح المجالات لإقامة بنوك إسلامية، فهذا مكسب جزئي أفرح به باعتبار أنه خطوة، لا باعتبار أنه المطلب النهائي، فوجود بنك إسلامي يجعل من يريد الحلال يجده، فلا يتجه إلى البنك الربوي إلا من أصروا عليه، كما أن هذه البنوك الإسلامية بإذن الله تعالى سوف تقاوم وتنافس البنوك الربوية، خاصة مع ازدياد الوعي الديني عند الناس، ثم إنها مع الوقت سوف تثبت إذا نجحت، وهي ستنجح بإذن الله، إذا وجد الغيورون وراءها فسوف تثبت أن وجود اقتصاد إسلامي نظيف أمر، ممكن ولا حجة لأحد في تركه.

إذن من الممكن أن أقبل بالمكاسب الجزئية وأطالب بالمزيد، وليس شرطاً ألا أقبل إلا الشيء الكامل مائة بالمائة، أو أتصور كما قلت دولة إسلامية كاملة، أو أتصور علماً غزيراً، أو شعوباً كاملة تربت على الإسلام، أو غير ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015