ولكنني أقول لجميع هؤلاء الإخوة: ماذا لقينا أصلاً حتى يطلب منا أن نصبر أو نحتسب؟ فالواقع أن كل ما حصل مهما كان في نظر الناس كبيراً فإنه لا يعنينا في جانبه الشخصي، فلا يعنينا -مثلاً- أن يقطع راتب الإنسان لأن الرزق من عند الله تعالى، ولا يعنينا أن يمنع الإنسان من العمل فإن مجال الدعوة إلى الله واسع رحب لا يتوقف على مجال بعينه ولا على طريق بذاته، اللهم -لا شك- أن الحيلولة بين الإنسان وبين الدعوة، بين الإنسان ومخاطبة الأمة بما يعتقد في قلبه وما يدين، أن الإنسان يرى أن ترك ذلك وأن السكوت عليه خيانة للأمانة التي حملها، بل وخيانة للأمة التي تنتظر من دعاتها، بل من جميع أفرادها حتى ولو كانوا أفراداً عاديين؛ أن يقولوا كلمة الحق، وأن يصدقوا الله تعالى ويبصروا الناس بما يعرفون، كل بحسب وسعه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها.
فلا شك أن الحيلولة بين الإنسان والدعوة هو أمر خطير، ولا يمكن السكوت عنه، أو الصبر عليه، أما ما عدا ذلك فهو هين يسير، ماذا خسرنا باستثناء قضية الدعوة؟ في الواقع أن الإنسان ما خسر إلا كما قال لي أحد الإخوة: حبوب البندول التي كان يتعاطاها بسبب تعب العمل وعنائه ولأوائه، ثم بعد ذلك ارتاح، فإن كان من أهل العبادة فبعد صلاة الفجر قراءة قرآن حتى ترتفع الشمس، ثم صلاة ركعتين، ثم يقبل على أمر الدنيا، وهذا هو الذي كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن بعده الدعاة حتى كان ابن تيمية يفعل ذلك ويقول: هذه ضحوتي لو لم أتغدها لم تحملني قواي أو لم تحملني رجلاي، فإن لم يكن منهم وكان من البطالين الكسالى فبعد صلاة الفجر يقبل على عمل، أو راحة، أو ما أشبه ذلك من الأمور، ثم إن الإنسان يرى من الناس من الحفاوة، إن ذهب إلى سوقٍ أو مطارٍ أو مدرسةٍ أو مؤسسةٍ شيئاً يخشى أن يكون أجره عُجِّل له في هذه الدنيا، وألا يكون له عند الله شيء، ويخشى أن يكون هذا من الاستدراج، ويشهد الله تعالى أننا نخشى من ذلك على أنفسنا لما نراه من حرص الإخوان والأحبة بل وسائر الناس على تقديم ما يستطيعون؛ مع أننا نعتقد وندين على أننا لا نستحق ذلك ولا شيئاً منه.
المقصود أننا لم نخسر شيئاً من أمر يتعلق بالدنيا حتى يأتينا من الإخوة -أحياناً- نوع من التسلية أو نوع من العزاء، وإن كان الصبر مأمور به على كل حال.