عظات وعبر

وفي الآية عبرة وأي عبرة أيها الإخوة! أن أعداء الدين يخططون ولا يألون جهداً؛ لأن المكر بالنسبة لهم دقة التخطيط، فيخططون وينتبهون لكل دقيق وجليل، ويضعون أعينهم ويرتبون، ويحسبون لكل شيء حسابه، هذا مكرهم هم، مكر البشر مكر الإنسان، مكر الليل والنهار، ولكن قارن مكرهم بمكر رب العالمين: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:50] .

والآية التي قبلها في المكر: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54] فهؤلاء مكروا، والله عز وجل مكر بهم، كما قال الله عز وجل: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:46] مكرهم ليس بالسهل بل هو عظيم! ونحن نرى اليوم مكر الكافرين وكيدهم، شيء تشيب منه الرءوس، يشتغلون وَيَصِلُون الليل بالنهار؛ في التخطيط للمسلمين والإيقاع بهم وحصرهم وأخذهم في الضحى من النهار، وهكذا خيل إليهم وظنوا أن الأمور قد استحكمت بأيديهم، وأنه لا أحد ينافسهم ولا يهيجهم ولا يغير من سلطانهم، لكنهم نسوا الأمر الثاني.

أما نحن المؤمنين فلا يمكن أن ننسى هذا، وإلا فسوف نفضي إلى اليأس، لا ننسى {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54] ولا ننسى {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:50] فالقرب من الكفار واليهود والنصارى لا يعتقدون قضية مكر رب العالمين.

بل هم يعتقدون أن كل الأمور بأيديهم، وأن القوة بأيديهم والتخطيط لهم، وأجهزة أمنهم ومخابراتهم وقواهم ومباحثهم وجهودهم ودراساتهم ومراكز أبحاثهم مهيمنة، وأن الأمر قد استوثق في أيديهم واستتب لهم، لماذا؟ لأنهم كما أخبر الله عز وجل لا يشعرون.

ولذلك موسى عليه الصلاة والسلام تربى في بيت فرعون، فهذا من عدم شعورهم؛ لأن فرعون يمكر بالمؤمنين، ويقتل بني إسرائيل ويستحيي نساءهم، كما هو معروف، فهذا هو مكره، وهو مكر البشر الضعيف الهزيل، لكن مكر رب العالمين عظيم فقد كتب الله هلاك فرعون على يد موسى الذي تربى في حجره، وعلى يد زوجته، وفي قصره، ويأكل من نعمه: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:50] .

فالمؤمن دائماً يضع هذا في حسابه؛ لأن حسابات البشر تخطئ، وتنتبه لأمر وتنسى مائة، والله عز وجل هو الرقيب والمحيط المطلع على كل شيء ولهذا يضيع مكرهم أدراج الرياح، ويحبط الله عز وجل صنيعهم وما يسعون ويخططون له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015