وهذا كما سبق في الآية قبلها؛ أن ذكر الرؤية في الخطاب مع المؤمنين هو نوع من التأييد والتطمين لهم، فإنه عز وجل يراك حين تقوم، تراوح بين قدميك بقيامك وركوعك وسجودك ودعائك وتضرعك.
فأنت بمرأى من الله عز وجل؛ ولذلك يكون المؤمن مرتاح النفس عارفاً عالماً أن عمله لا يضيع؛ فإن العبد إذا علم أنه مراقب من قبل الله عز وجل، وأن عمله يَرى من الله تعالى سره ذلك، وهذا من طبيعة البشر؛ أنه إذا رأى من يكبره كشيخه أو والده أو من كلفه بعمل معين، وأمره أن يقوم به على الوجه الأكمل، ثم رأى أنه يطلع على عمله ويتابعه عليه وهو مخلص في ذلك سره هذا، كما هو معروف من طبيعة الإنسان، وجاءت الأديان مؤيدة لهذا الأمر، كون العبد يعمل العمل الصالح فيسره أن يُحمد به، فتلك عاجل بشرى المؤمن.
فكيف إذا علم أن الله عز وجل هو المطلع عليه؟! فلهذا سلى وعزى الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى فقال له: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء:217-218] والله عز وجل يرى نبيه في كل وقت، يراه حين يقوم، وحين ينام أيضاً، وفي الليل، وفي النهار، ويراه في كل حال، ولكنه خص هذا الوقت -وقت القيام- للسبب الذي ذكرت، وهو أن العبد محتاج فيه إلى الصبر والتثبيت؛ فلذلك ذكره الله عز وجل بأنه يراه.
وهذه الرؤية لها ما بعدها، فهو يحب هذا العمل منك ويشكره لك ويثيبك عليه؛ فلهذا كان من شأنه صلى الله عليه وسلم ما ذكرته عائشة كما في الصحيح: {أنه قام حتى تفطرت قدماه صلى الله عليه وسلم، فقالت له: يا رسول الله! تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
فقال عليه الصلاة والسلام:- أفلا أكون عبداً شكوراً} .
ولهذا لما عَرَّف النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان كما في حديث جبريل المشهور قال: {أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك} أي: أنت بين أمرين: أن تعبد الله كأنك تراه وتنظر إليه، فحينئذٍ تصلح من عبادتك وتحسن من حالك ولا تألو ولا تمل، لكن إن لم يصل لك هذا ولم تستطعه؛ فإنه يراك أي: تذكرَّ أن الله عز وجل يراك، وتذكر العبد لرؤية الله عز وجل تحدث نشاط القلب واندفاع الهمة والدأب على العبادة والجلد عليها، فهذا من معاني قوله عز وجل: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الشعراء:218-220] .
وفي الآية إثبات الرؤية لله جل وعلا وأنه يرى كل شيء، ولا يحجب رؤيته شيء من ظلام أو سهل أو جبل أو بر أو بحر أو غيره، وفيها أن من أسمائه عز وجل: السميع العليم.