السؤال يقول: ذكرت أنه يجب على الأمة عامتها وخاصتها أن تلتف حول العلماء، نرجو توضيح ذلك بإعطاء صور وأمثلة لذلك لأنه قد يخفى على أغلب الحاضرين ما المقصود بالالتفاف؟ وما هي ضوابطه، ومتطلباته، وأسسه التي يجب أن تسير الأمة حول علمائها؟
صلى الله عليه وسلم أعني بالالتفاف: أن الأمة يجب أن تعتبر أن العلماء الشرعيين هم لبها، وروحها، وقيادتها، ويكون ذلك: بتعظيم العلماء، وتقديرهم، ومنع النيل منهم، منع الاعتداء عليهم، أو ظلمهم، أو التنقص من حقهم، وحفظ مكانتهم وقدرهم، وأن يعرف القريب والبعيد أننا نحترم علماءنا.
بل إنني أدعو -وخاصةً طلبة العلم- إلى أن نشعر الناس بتقديرنا لبعضنا البعض، وتقدير طلبة العلم بعضهم لبعض، وتقديرهم العلماء ولو بصورة أكثر مما هو الواقع، بمعنى أنه إذا كان معي أحد من طلبة العلم، وعندي عامة، أو جهلة، أو فساق فأقدم هذا الزميل -مثلاً- أو القريب أقدمه وأفضله وأجعله يبدأ بالحديث قبلي، ويدخل قبلي، ويخرج قبلي بحيث يشعرون هم بالاحترام؛ لأن الأمة إذا وجدت طلبة العلم يحترمون العلماء؛ احترمتهم.
ولذلك من الأخطار أن طالب العلم -أحياناً- قد يزدري العالم لخطأ وقع فيه، ومن الذي لا يخطئ خطأ أو عشرة أو عشرين أو خمسين؟! ولو أن كل عالم أخطأ رفضناه وتركناه وتخلينا عنه لما بقي أحد، بل إذا أخطأ العالم التمس له عذراً لعله أُتي من قبل اجتهاده أو غفلته عن جانبٍ من الأمور أو ما أشبه ذلك.
وعلى كل حال فهو معذور إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، فلا ترفض العالم لمجرد أنه أخطأ خطأ أو خطأين، ولا تسمح بأن ينال من قدر العالم، أحياناً يقال في مجلس هذا العالم: الدنيا في يده، له أموال، وله كذا، وله كذا، ويكذب عليه.
وقد حضرت مجالس يتكلمون فيها عن بعض العلماء أن عندهم، وعندهم، وأعرف أن هؤلاء العلماء عليهم ديون! وأحدهم وهو من أكبر علماء المملكة يستدين إلى الراتب -تصوروا هذا الأمر- لأحواله وأموره وحاجاته، فإذا جاء الراتب سدد الديون التي عليه، وأحياناً يُنال من العالم أنه يخالف ما يقول، حتى إن أحدهم قال: إن العالم الفلاني الذي يقول كذا، ويقول كذا ويحارب الاختلاط -في المستشفيات وفي المدارس وفي الجامعات وفي غيرها- بنته تدرس في بلد كذا وكذا في جامعة مختلطة، يدرس فيها الشباب والبنات سوياً، فقال له أحد الحضور: أنت تكذب فإن هذا العالم أصلاً عقيم لم يولد له أولاد ولا بنات.
وأحياناً ينال من العالم بأنه لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، وأنت لا تعلم، قد يكون هذا العالم يأمر وينهى لكن بينه وبين صاحب المنكر، لم ير مصلحة لإعلام ذلك على الناس، وبغض النظر عن هذا الاجتهاد؛ إلا أننا نقول: ينبغي أن تبحث له عن عذر، وألا تسمح لا لنفسك ولا لغيرك بالنيل من العلماء، بل ينبغي لكل فرد من أفراد الأمة أن يعتبر أن من أعظم مهماته حماية أعراض العلماء.
كم هو والله مؤسف أنه أحياناً في بيئات دينية صالحة يأتي ذكر فاسق من الفساق، معروف بعدائه للإسلام، فتجد الثناء عليه: بأنه إداري ناجح، يهتم بأمور الناس، وهو أديب، وشاعر، ومصلح، وهكذا يلقون عليه من الألقاب ما لا يستحق، فإذا جاء ذكر عالم جليل -وهذا والله يجرح الفؤاد- وجدت هذا يتهمه بشيء وهذا يقول فيه شيئاً، وهذا ينال منه، وهذا يلمزه، وهذا على أحسن الأحوال يسكت، فهذا لا يصلح، فينبغي أن يكون كل فرد من الأمة من أهم مهماته حماية أعراض العلماء، ليس فقط حماية أعراضهم؛ لأن هذا واجب عليك تجاه كل إنسان.
لكن نريد أكبر من هذا، نريد مع حماية أعراضهم: الثناء عليهم، وتبجيلهم، وحفظ مقامهم، وتقديرهم، يا أخي ما الذي يمنع الأمة أن تشعر كل الناس أن علماءنا يبجلون، ويقدمون، لا أتكلم بين يديه إلا بأدب، ولا أخاطبه بأي لهجة لا تناسب، ولا أرفع صوتي بين يديه، ولا أسير أمامه، ولا أتقدمه بفعل، وأحاول أن أخدمه بقدر ما أستطيع ولو رفض ذلك وكان لا يريده، لأنه ليس المقصود أن نعطي نحن الناس مكاناً لا يستحقونه، لكن مقصودنا أن نربط الأمة بقياداتها الحقيقية، وأن لا نسمح بتسلل الخفافيش إلى هذه المواقع المهمة في الأمة.