ولذلك على سبيل المثال: لما خرج العز بن عبد السلام من الشام إلى مصر كان المفتي في مصر هو الإمام عبد العظيم المنذري وكان هو المفتى والعالم المبجل فيها، فلما جاء العز بن عبد السلام قال الإمام المنذري: قد كنت أُفتي يوم لم يكن الإمام العز موجوداً، أما الآن فإن منصب الإفتاء متعين عليه ورفض أن يفتي، من جاءه قال له: اذهب إلى العز بن عبد السلام، وهذه القضية لا شك أنها ترفع من قيمته.
أيضاً مرة أخرى لما غضب عليه أحد أمراء الشام ومنعه من التدريس والخروج وفرض عليه الإقامة الجبرية، ذهب أحد الفقهاء الأحناف وكان فقيهاً مهيباً، فوقف عند الباب على حماره، فقال الحاكم: دعوه يدخل، فلما دخل قام إليه وأنزله بنفسه، وقدمه، وقدره، وأبى أن يأكل إلا بعده، فقال له: ما الذي جاء بالشيخ؟ قال: ما الذي حدث بينك وبين الإمام العز بن عبد السلام.
قال: كذا، وكذا، وذكر القضية.
فقال هذا الفقيه: والله لو كان العز بن عبد السلام في الصين أو الهند لكان جديراً بك أن تسعى في أن يحضر إليك فإنه شرفٌ لك أن تملك أمة فيها مثل العز بن عبد السلام، فينبغي أن تسترضيه، فوافق على ذلك، وأرضى العز بن عبد السلام، وجعله في مقام رفيع.
فتضامن العلماء يكسبهم مقاماً قوياً، ويجعل يدهم واحدة، وكلمتهم واحدة، أما إذا اختلفوا فإن بعضهم يضرب بعضاً، وقديماً قال رجل لأولاده: كونوا جميعاً يا بني إذا اعتدى خطبٌ ولا تتفرقوا آحادا تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أفرادا وقد استفاد الشيعة من هذا الأمر، فأذكر أنني قرأت منذ زمن في ترجمة الهالك الخميني أنه غضب عليه حاكم إيران في وقته لمواقفه، وحاول أن يصدر قراراً بإعدامه وقتله، فماذا فعل رجالات الشيعة في إيران؟ لقد اجتمعوا سريعاً وأصدروا قراراً بترقية الخميني إلى مرتبة آية الله.
وهذه مرتبة دينية عندهم لآياتهم وزعمائهم الدينيين ومراجعهم العلميين، ومن وصل إلى هذه المرتبة فإنه لا يمكن أن يكون في حقه إعدام ولا حكم من هذا القبيل، فرفعوه بذلك، ومنعوا الحاكم من أن يقتله، فاستغلوا قضية التضامن فيما بينهم على ما هم عليه من باطل وفساد في منع أي ظلم أو اعتداء لأحد منهم.