ثم إن الغرباء بعد ذلك على مدار التاريخ يلقون من العناية والتكريم ما لا يخطر على بال، وأضرب لكم مثلاً واحداً بما لقيه رجل من الغرباء ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي كان إماماً في العلم والعمل والدعوة والجهاد، فقد ذكر مترجموه من سيرته: أن قازان ملك التتر لما جاء بجيشه وجنده إلى بلاد الإسلام، وعسكر قريباً من دمشق وأراد أن يغير عليها، ذهب العلماء إليه ومعهم شيخ الإسلام ابن تيمية، فلما دخلوا عليه قام شيخ الإسلام وتكلم أمامه بكلام شديد، وقال له: "يا قازان إن أجدادك الكفار المشركين لم يصيبوا المسلمين من الضر والضرر والأذى مثلما حاولت أنت، مع أنهم كانوا مشركين وأنت تدعي أنك مسلم" فقال له قازان: أيها الشيخ ادعُ لي فرفع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يديه وقال: "اللهم إن كان عبدك هذا جاء مجاهداً في سبيلك لنصرة دينك وإعلاء كلمتك فأيده وانصره، وإن جاء محاداً لك مؤذياً لعبادك المؤمنين فأهلكه واقض عليه وعلى جنده"، وظل شيخ الإسلام يدعو على هذا الطاغية، وهذا الطاغية قد رفع يديه إلى السماء يؤمن على دعاء شيخ الإسلام، ثم خرج شيخ الإسلام مع العلماء من عنده، فقال العلماء له: إننا لا نريد أن نصحبك؛ لأننا لا نأمن أن يرسل إليك هذه الطاغية في الطريق من يقتلك، فقال الشيخ: وأنا لا أريد أن أصحبكم، فذهب هو في طريق وذهب بقيتهم في طريقٍ آخر، أما هو رحمه الله فلم يصل إلى بيته في دمشق إلا في وسط كوكبة من الجنود الذين ذهبوا من جيش التتر ليحرسوه، أما بقيتهم فإن أحدهم يقول: أما نحن فسلط علينا مجموعة من العيارين فشلحونا وآذونا وأخذوا ما بأيدينا.
فهذا أيضا نموذج من الخير الطيب والجزاء الحسن في الدنيا الذي أعده الله تعالى للغرباء.