المثالية عند الزوجين

ومن أسباب الطلاق أيضاً: المثالية عند الزوجين؛ بحيث ينتظر كل واحد منهما من الآخر أن يقدم له كل شيء، على حين أنه هو لا يملك أن يبادله المثل، والحديث يقول فيه الرسول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم وهي نصيحة عظيمة ثمينة: {وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه} فينبغي أن يتصور الإنسان أخطاءه هو، حتى يقدر أخطاء زوجته، ويتصور نقصه هو حتى يستطيع أن يهضم نقصها، فإن نظرت فوجدت فيها شيئاً من النقص في الجمال، فتذكر أنك أنت لست من الجمال في تلك الدرجة التي توصف وتذكر، وإن وجدت في زوجتك شيئاً من التقصير معك؛ فتذكر أيضاً أنك مقصر معها، وإن وجدت في زوجتك شيئاً من الجفاء فتذكر أنك أنت الآخر عندك شيء من الجفاء والقسوة، وإن وجدت أن فيها تقصيراً في عبادتها، فتذكر أنك أنت الآخر مقصر ولو أنك قمت عليها وعلمتها لتعلمت وتفهمت، فإن كنت أنت الزبير فانتظر أسماء، وهكذا.

أما أن يكون الواحد منا يتجاهل عيوبه وأخطاءه وزلاته ونقائصه وتقصيره، ويريد أن تكون زوجته مثالية، في جمالها ودينها وخلقها وعقلها ومنطقها وعبادتها وعلمها وذكائها، فهذا لا يكون.

قال رجل لآخر: ابحث لي عن زوجة.

قال: ما صفاتها؟ قال: أن تكون جميلة دينة صينة عاقلة طويلة بيضاء حسناء خلوقة فصيحة.

فقال: قد وجدتها قد وجدتها! عليك بقيام الليل وصيام النهار، فهذه من الحور العين، لعل الله أن يبلغكها في الجنة! 1- المقارنات: من المثالية: المقارنات، وطالما دمرت المقارنات البيوت، المقارنة مع الآخرين والأخريات، فمثلاً الزوج يقارن زوجته في شكلها بالأخريات، وربما وقعت عينه على امرأة، إما من غير قصد وإما لمعصية أنه عصى الله ونظر إلى مالا يحل، فنظر إلى امرأة في السوق، أو على شاشة التلفاز أو بما بلي به الناس من الأفلام التي دمرت أخلاقهم وعقولهم وبيوتهم وأسرهم، أو على صدر مجلة أو صحيفة، فأصبح يقارن زوجته بهذه، فيجد زوجته دونها، ولذلك يعزف عنها ويعرض عنها، يقارنها في الأخلاق، ويرى أن زملاءه وأصدقاءه إذا جلسوا وتحدثوا، فربما تكلم واحد منهم عن زوجته، فذكر شيئاً من جميل خلقها على سبيل قصة ذكرها أو حادثة أو مناسبة، فأصبح دائماً وأبداً يعقد آلاف المقارنات بين زوجته وبين ما يسمعه من صديقه فلان وزميله علان، وبينما رأى في المكان الفلاني وما سمع هنا وهناك، وبالتالي كل يوم يمر يزيده قناعة بأنه مهضوم الحق، وأن زوجته ليست هي المناسبة لمستواه وقدره ومقامه.

وكذلك الزوجة تجلس مع زميلتها، فتجد أن واحدة منهن تقول: زوجي أعطاني كذا، فتقول في قلبها: أنا زوجي ما أعطاني.

وتقول الثانية: زوجي أعطاني كذا، فتقول: مع الأسف زوجي لا هذا ولا ذاك، والثالثة تقول: زوجي خرج بي إلى السوق، وزوجي سافر بي.

فتقول في قلبها: أنا مسكينة قعيدة البيت، لا أخرج من البيت أبداً! وهكذا كلما سمعت من زميلاتها بدأت تقارنه بنفسها، وتنسى أنها هي قد تكذب -أيضاً- على زميلاتها، وربما يكون كلامهن معها هو الآخر كذب، فإن هذه المرأة التي تقول في نفسها: زوجي ما أعطاني شيئاً، ولكنها تقول لزميلاتها: والله أنا زوجي لم يقصر معي؛ بل اشترى لي من الذهب كذا، وسافر بي إلى كذا، وخرج بي إلى كذا، وقال لي كذا، وتتشبع بما لم تعط، وربما يكون ما قالته هي لهن -وهو كذب- سبباً في مقارنات يعقدنها مع أزواجهن.

فقد تكون كل واحدة من هؤلاء النسوة تكذب على الأخريات، وهذا الكذب قد يكون سبباً في تدمير البيوت، لأن المقارنة هنا، تبدأ، فتقارن الزوجة بين زوجها وبين أزواج زميلاتها أو صديقاتها أو حتى أخواتها، فزوج فلانة فعل كذا، وأتى بكذا، وقال كذا.

فتبدأ المقارنة في الشكل -كما قلت- أو المقارنة في الأخلاق، أو المقارنة حتى في نمط الحياة القائمة بينهما، كل اثنين عبارة عن شركة بينهما نمط خاص من الحياة، لا ينبغي أن يقارن بينه وبين غيره، أي أن شخصية فلان لا يمكن أن تقارن بفلان، وهكذا المرأة كل واحدة لها شخصيتها المميزة عن غيرها.

والمقارنة أيضاً تكون في سيطرة الرجل على زوجته أو تسامحه معها، أنا -مثلاً- رجل متسامح مع زوجتي، فإذا جلست مع زملائي؛ اكتشفت أن فلاناً رجل قوي الشخصية شديد القوامة على زوجته، فترتب على هذا أني أشعر بالهضم! ولذلك أقول: إن زوجتي قد تسلطت علي، وأخذت مني حقوقاً إلى غير ذلك، فلا بد أن أثبت شخصيتي أمامها!! فتجد أن الرجل يثور، ويريد أن يستعيد كرامته المسلوبة وشخصيته وقوامته، وربما كان ذلك سبباً في حصول الطلاق، والعكس مع أنه من الممكن أن توجد حياة زوجية بين رجلين، ويكون الزوج متسامحاً مع زوجته، والتسامح لا يعني ضعف الشخصية بحال من الأحوال، ومن الممكن أن يعيش الزوجان حياةً سعيدةً، ويكون الزوج قوي الشخصية نافذ الأمر على زوجته، وقد تطبعت هي على هذا الأمر وألفته وتقبلته بقبول حسن، ولا ينبغي أن يقارن الإنسان بين هاتين الحياتين أو هاتين الصورتين.

وعلى أي حال، فإنه ينبغي أن يعلم أنه لا تخلو حياة زوجية من مشكلات، فلا ينبغي أن نكون مثاليين في تصورنا للحياة، اللهم إلا حياة الشيوخ المسنين، التي لم يبق منها شيء إلا صبحك الله بالخير ومساك الله بالخير، أما هذه المشاكل الصغيرة أو المشاكسات الصغيرة، فهي كما قال بعضهم: هي نوع من البهارات التي تجدد الحياة الزوجية، متى كانت هذه المشاكل بالقدر المعتدل، ولم تترك آثاراً بعيدة المدى في نفس أحد الزوجين.

2- قضية الحب التي غرسها الإعلام: من المثالية أيضاً: التعويل على قضية الحب التي غرسها الإعلام الفاسد في النفوس، من خلال المسلسلات وغيرها؛ فكثيرون يبنون حياتهم الزوجية على أحلام الحب الخيالية المثالية، وينسون الفرق بين امرأة للحظة أو لساعة أو لليلة فيما حرم الله عز وجل، وبين امرأة للعمر كله، بل للدنيا والآخرة فيما يحبه الله تعالى ويرضاه.

وكثير من الشباب والفتيات يتحدثون عن مبدأ الحب قبل الزواج الذي، تلقوه من خلال المعلم الفاسد المنحرف الذي يسمى التلفاز، ومن خلال شريط الفيديو، ومن خلال المجلة الهابطة، ومن خلال القرين السيئ أو القرينة السيئة، فتلقوا مبدأ الحب قبل الزواج، ولا شك أن الكثيرين منكم سمعوا وقرءوا ما كتبته -مثلاً- كريمة شاهين، في مجلة سيدتي، أو سمعوا أو قرءوا ما كتب في روايات عبير وغيرها، التي تباع -لا أقول في المكتبات- بل تباع في البقالات، وقل شاب يقرأ إلا وقد اطلع على مثل هذه الأمور، واعتبر أن ما فيها هو المثل الأعلى لحياته!! وأود أن أشير بهذه المناسبة، إلى أن الإعلام يقدم لنا نماذج من الفنانين والممثلين والفنانات وغيرهم، هذه النماذج كلها نماذج فاشلة على كافة المستويات، هي من أقل النماذج نجاحاً حتى في حياتها الزوجية، وليس من الأسرار أن نقول إن الممثلين والممثلات والفنانين، أغلبهم فاشلون في حياتهم الزوجية، ولم يكد ينجح أحد منهم في إقامة حياة سعيدة، إلا بعد ما اعتزل الفن وتاب إلى الله تعالى؛ فكيف يُقتدى بهم وهذه أحوالهم؟ فضلاً عن انحرافهم عن طريق الله تعالى ومخالفتهم لأمر الله عز وجل، لكن حتى في دنياهم وحتى فيما يظن أنهم ناجحون فيه هم في الحقيقة فاشلون مخفقون، ولعل من أسباب اشتغالهم بمثل هذه الأمور أنهم فشلوا في حياتهم الخاصة، فتلهوا بمثل هذه الأمور العامة.

3- استحضار الصور الجميلة: من المثالية أيضاً: استحضار الصور الجميلة التي تراها العين -كما ذكرت قبل قليل- وينسى هؤلاء أن صناع السينما من اليهود الذين يهدفون إلى تدمير الحياة الاجتماعية في بلاد المسلمين خاصة، ينتقون أجمل الصور ويقدمونها للناس؛ للإغراء والفتنة والإثارة وتدمير البيوت، ولذلك لا غرابة أن يكون أهم أهداف دعاة الإسلام هو ترسيخ دعائم الحياة الزوجية الاجتماعية، ومنابذة ومخالفة الفكر والمكر اليهودي ومن ورائه الفكر والمكر العلماني، الذي يتسلل من خلال الإعلام الفاسد في بلاد الإسلام.

4- وجود علاقة سابقة بين الزوجين: ومن المثالية: وجود علاقة سابقة بين الزوجين، يحكمها التصنع والتَّعَمُّل والمجاملة، سواء علاقة عبر الهاتف أو حتى أكثر من ذلك، فلا تصمد هذه الصورة الخيالية المليئة بالمجاملة والمليئة بالمثالية، لا تصمد على محك الواقع، وقد يشك أحدهم -أيضاً- في الآخر بعد الزواج، أنه يحدث منه خيانة، كلما رأى الزوج زوجته تتصل بالهاتف، أو وجد مكالمات طويلة أصابته الشكوك والظنون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015