سبب آخر يستدعي طرح هذا الموضوع، ألا وهو مواجهة التقليد الذي أصبح سارياً في مجتمعنا عبر الشاشة وعبر المشاهدة الشخصية المباشرة، فلا شك أن مجتمعنا لم يعد الآن جزيرة معزولة في هذه الدنيا، بل أصبحت الفتاة ترى في الشاشة صوراً كثيرة، وقد تسافر مع أهلها، أو مع زوجها إلى بلاد غربية، فكثيراً ما نقتبس تلك العادات والأخلاق والتقاليد، حيث أصبحت الموضات التي تنتشر عند فتياتنا هي الموضات الغربية، وتسريحات الشعر منقولة عن فرنسا أو غيرها، والأخلاق هي الأخلاق، بل حتى أمورنا الخاصة، أصبحنا نستحلي ونستملح ونستطيب ما جاءنا من عند أعدائنا.
وأذكر أن إحدى الأخوات المهتديات تقول: إنها كانت تحتفظ في زمن جاهليتها وضلالها بألبوم فيه أكوام وأعداد من الصور لـ ديانا ولـ تشارلز ولبقية الفئة، التي أصبحت كثير من فتياتنا تتعلق بهم وتتابع أخبارهم، وقد تعرف الفتاة -أو يعرف الفتى- من أخبار هؤلاء التائهين الضائعين الضالين الحائرين ما لا يعرفه عن أخبار الصحابة والتابعين، وما لا يعرفه عن أخبار آبائه وأجداده، بل وما لا يعرفه عن أخبار علمائه الذين يعيشون في عصره وفي وقته! وقد سئل أحدهم عن جماعة من العلماء المعاصرين المرموقين في هذه الجزيرة، فكان يقول: من فلان؟ من هو فلان؟ وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم َأتَذَكَّر أني قرأت كتاباً هو عبارة عن مراسلة تخص امرأة أمريكية مهتدية، كانت يهودية ثم أسلمت، ولا تزال تعيش على قيد الحياة في بلاد الهند، اسمها بعد إسلامها مريم جميل، وكانت تراسل وتكاتب الشيخ الداعية أبا الأعلى المودودي رحمه الله تعالى، أمير الجماعة الإسلامية في باكستان، ففي هذا الكتاب صورة عجيبة عن الرفض الفطري عند تلك المرأة لهذه العادات والتقاليد الموجودة في الغرب، فكانت تكتب له قبل أن تسلم عن امتعاضها وانزعاجها من مبالغة الغرب في العناية بالملابس والثياب والأزياء، وتفننهم في إظهار زينة المرأة بكافة الصور والأشكال، وتلاعبهم بجسد المرأة حيث جعلوه سلعة تباع وتشترى وتروج البضائع من خلالها، وتستغل أبشع استغلال في الإعلانات عبر التلفزيون وغيره، فكانت -وهي المرأة الكافرة وقتها- تعرب عن امتعاضها من هذه الصورة التي تستغل المرأة من خلالها، وكان ذلك من أسباب رفضها لدينها وحضارتها الغربية، وإقبالها على الإسلام، حيث آمنت وأسلمت، وأصبحت في عصمة أحد الدعاة المسلمين في الباكستان كما أسلفت.
والمؤسف -أيها الإخوة- أن يقوم إعلامنا بدور فعال في نقل تعاسة الغرب إلى عقول أبنائنا وبناتنا، فإن كثيراً من الشباب يعكفون على الشاشة، وربما يقضون أمامها وقتاً طويلاً، ومن خلال هذه المشاهد التي تعرض في قنوات التلفاز، يقتبسون أشكالهم وأزياءهم وتسريحاتهم وعاداتهم وتقاليدهم وعلاقاتهم، حتى أفلحت أجهزة الإعلام في قلب مجتمعنا، وجعل ما كان ممقوتاً مذموماً بالأمس مستحسناً لدى كثير من الشباب اليوم، وأوجد التناقض في نفوس الشباب والفتيات، فالفتاة التي تقرأ -مثلاً- في مدارسها وفي مقرراتها أن المرأة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها، وأنه يجب أن تستر جسدها كله عن الرجال الأجانب، وألا تختلط بهم، وألا تخلو مع غير ذي محرم، أصبحت تشاهد في التلفاز امرأة مثلها وقد نشرت شعرها وكشفت صدرها وذراعيها وساقيها، وأصبحت تضاحك رجالاً أجانب وتمازحهم وتركب معهم، وتذهب وتجيء، وتخلو وتختلط، ويحدث ما هو أكثر من ذلك من الصور التي لا تحتاج مني إلى تفصيل وبيان.
ومن الطبيعي لفتاة مراهقة -مثلاً- لم تجد التوجيه السليم أن تنطبع في ذهنها هذه الصورة، وأن تعمل على تطبيقها في حياتها العملية، أو تتطلع إلى ذلك إذا لم يتح لها المجتمع أن تطبقها.
على أننا نجد أن إعلام الغرب على ما فيه، إذا أردنا أن نقارنه بالإعلام الموجه الهادف في البلاد الإسلامية، لوجدنا أن إعلام الغرب أهون من الإعلام الموجود في بلاد الإسلام؛ وذلك بسبب أن إعلام الغرب يحكي واقعهم الاجتماعي، ولا تكاد تجد في إعلامهم صورة بعيدة عما هو واقع في مجتمعهم، بل ربما نقول العكس أنك تجد في مجتمعاتهم صوراً لا تنشر في إعلامهم أحياناً، فإعلامهم هين بالقياس إلى مجتمعهم، وليس يسعى إلى جر مجتمعهم إلى هوة سحيقة أسوأ مما هم فيه.
أما الإعلام في البلاد الإسلامية فهو على النقيض من ذلك، فهو مسلط على شعوب مؤمنة، الإسلام دينها وعقيدتها، والشريعة منهجها، والحشمة ديدنها وميراثها، فيتسلط هذا الإعلام ليخرج العذراء من خدرها، ويلقي بها في قارعة الطريق، يتسلط على عقول فتياتنا، حتى يقنع الفتاة بأن هذه الأشياء أفكار قديمة، وأنها يجب أن تواكب العصر، وتتحرر مما يسميه بالتقاليد القديمة، وهذا صحيح أنه قد لا يقال بهذه الحروف، لكنه يقال بلغة هي أفصح من هذه الحروف، ألا وهي لغة الصورة المعبرة، التي يكون تأثيرها أحسن من خطبة أو كلمة تقال أو تسمع.