أخيراً من شروط الداعية وخصاله: الصبر.
والصبر هو حبس النفس على ما تكره كما عرفه أهل العلم، فلا بد للداعية من الصبر، ولذلك قال الله جل وعلا في صفة المفلحين الرابحين: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3] فلا بد من الصبر للداعية، أولاً: الصبر على الإسلام نفسه، من الإيمان والعمل الصالح وما يتبعهما، فلا بد من الصبر على ذلك.
وثانياً: لا بد من الصبر على الصبر، بمعني أن الداعية قد يصبر وقتاً من الأوقات، ولكنه يمل بعد ذلك ويترك الصبر، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، يقول عليه الصلاة والسلام: {ومن يتصبر يصبره الله} فقد يكون من شأن الإنسان العجلة وعدم الصبر، لكن إذا تكلف الصبر رزقه الله الصبر، حتى يصبح سجية له، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر، فهو خير وأوسع من المال ومن الثروة ومن الجاه، ومن الزوجة الجميلة، ومن النصر الرفيع ومن كل شيء، وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر.
فسبحان الله! كم من إنسان يبدأ بعمل طيب، لكنه يعجز فينقطع في عرض الطريق، لماذا؟ لأن ما عنده صبر، وكم من داعية يواجه بالإيذاء والتكذيب وبالسخرية، فيترك الدعوة إلى الله جل وعلا؟ لأنه لم يتميز بالصبر، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم -أيضاً- في الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن عمر وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم} .
فالداعية بالذات يحتاج إلى الصبر، يقول الله جل وعلا: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران:186] سيجد الداعية من يشكك في نيته، لماذا؟ لأن الأنبياء وجدوا من يشكك في نياتهم قال تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص:6] موسى وهارون قال عنهما فرعون: إنهما يريدان الكبرياء في الأرض! قال تعالى: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ} [يونس:78] إذاً لهم مقاصد سياسية على حد تعبير المعاصرين! هكذا يزعم فرعون، فيجد الداعية من يشكك في نيته فلا يحزن، وسيجد الداعية من يرفض قبول دعوته فعليه أن يصبر، وسيجد الداعية من يترك الميدان، ممن حوله من الدعاة الذين كان يأمل فيهم، فوجد أنهم ضعفوا وتخلوا، فيجب أن يصبر، وسيجد الداعية أن هناك من أقرانه وزملائه من يؤذيه وينال منه، وهذا من أشق الأمور على النفس، ولذلك يقول القائل: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند فأنت لا تستغرب أن ينال منك عدوك؛ لأنه عدو، بل إن الغريب لو لم ينل منك، إنما تستغرب أن ينال منك أخوك وصديقك وقريبك ومرافقك، لكن ليجعل الداعية شعاره حين يسمع مثل ذلك قول كُثَيِّر: هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامر لـ عزة من أعراضنا ما استحلت إذاً سيلقى الداعي أذى كثيراً، حتى إنك قد تلقى الأذى من أهل بيتك، من زوجتك ومن أولادك ومن جيرانك، فلا بد من التحلي بالصبر والنهاية للصابرين، جعلني الله وإياكم منهم.
والحمد لله رب العالمين.