الاعتدال في الحكم على الأشياء

وإن من العدل: الاعتدال في الحكم على الأشياء والأشخاص والكتب والمجلات والجرائد والأعمال والمؤسسات وغيرها، كل شيء تريد أن تتكلم منه، أو تحكم عليه؛ لا بد أن تراعي العدل، فإذا كان فيه الصواب، تقول الصواب فيه، أو كان فيه الخطأن فتبين الخطأ، ولا يحملك كون الخطأ يغلب على هذا الكتاب -مثلاً- أو على هذا الشخص، لا يمنعك هذا أن تذكر ما فيه من الصواب، والعكس بالعكس: لا يمنعك كون الصواب غالباً أن تذكر ما فيه من خطأ.

وكثيراً ما يخل الداعية بخلق العدل، فمثلاً حين يريد الداعية أن يتحدث عن شخص قريب محبوب لديه، شيخ أو أستاذ أو معلم أو مربٍ، تجد هذا الداعية يتكلم عن هذا الإنسان، كما لو كان يتكلم عن أحد الخلفاء الراشدين، أو العشرة المبشرين بالجنة، أو على الأقل أصحاب بدر، فتجده يضفي عليه من الخصال فوق ما يستحق، لأنه يتكلم بلسان المحب الذي لا يرى إلا المحاسن، وكما يقال: وعين الرضى عن كل عيب كليلة فهذا ليس من العدل، ولو كان شخصاً فاضلاً، ولو كنت معجباً به، فعليك أن تقتصد في الثناء على هذا الإنسان، فلا تعطه فوق منزلته؛ لأن إعطاءك له فوق منزلته، هو باب من أبواب الغلو في الصالحين.

ومما ينافي العدل: كذلك ألا يعدل الداعية في الحكم على البعيد، الذي لا يوافقه في مشربه ومسلكه ومنهجه، أو حزبه أو طائفته أو فئته، فينسى فضائله، حتى لو كان هذا الإنسان له فضائل مشهورة مذكورة، فإنه قد ينساها أو يتجاهلها، ويؤكد فقط على الجانب المظلم، بل ربما تتحول الحسنات عنده إلى عيوب؛ لأنه يتحدث بعين السخط، وعين السخط كما قيل: ولكن عين السخط تبدي والمساويا فهنا لابد من العدل، وأن تذكر ما في هذا الإنسان من فضائل مهما كان، والواقع أن الإنسان حين يستخدم العدل هنا، يربي الناس على هذا المنهج أولاً، ثم يكسب ثقة الناس؛ لأن الناس أصبحت تعرف أن فلاناً حين يتحدث، لا يتحدث عن هوى أو شهوة أو غرض شخصي، إنما هو إنسان يضع الحق نصب عينيه، ويحكم على الناس بقدر ما وسعه اجتهاده، لا يحابي أحداً فيعطيه فوق قدره، ولا ينتقص أحداً دون منزلته، فقد يخطئ بلا شك؛ لأن البشر غير معصوم من الخطأ، لكن هو في الجملة معتدل في منهجه، وقد يخطئ، فلا يسلم من الخطأ أحد في هذا الباب ولا في غيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015