الوضوح في القول

كثير من الدعاة إلى الله عز وجل وطلاب العلم، توسعوا في مسألة التأويل في العبارات والأقوال، واتخاذ ما يسمونه بالمداراة والتورية وغيرها، حتى وقع الناس منهم في الإبهام والإيهام، وصار الناس لا يثقون لهم بقول ولا كلام.

أحياناً الداعية لا يكذب كذباً صريحاً يؤخذ عليه لكن يستخدم التورية والتأويل، لكن الناس من كثرة ما استخدم هذا الإنسان التورية والتأويل؛ صاروا لا يثقون فيه لأنهم اكتشفوا أنه لا يعطي الحقيقة.

الفقهاء أحياناً يتكلمون عن التورية وأساليبها، ومتي يفعلها الإنسان وما أشبه ذلك، لكن كون التورية والتأويل ديدناً عند الداعية، بحيث إن كثيراً من أموره مبنية على التأويل والتورية! هذا أسلوب تربوي خاطئ، أولاً: لأنه يربي من حوله على عدم الوضوح وعدم الصدق، ثم إنه يورث الناس عدم الثقة بهذا الداعية وبما يقول، حتى لو صدقهم ما صدقوه حينئذٍ.

وعدم الوضوح في الأفعال، لا يقل خطورة عن عدم الوضوح في الأقوال، فالداعية مطالب بالصدق في أفعاله، وقد يقول الإنسان: كيف يكون الصدق في الأفعال؟ فنقول: نعم، يكون الصدق في الأفعال، ولعل من الأمثلة على الصدق في الأفعال: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عند النسائي وغيره وفي سنده مقال، في قصة الرجل الذي أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، وهو ابن أبي السرح، وكان أخاً لـ عثمان بن عفان رضي الله عنه لأمه، فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة، جاء به عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس له الأمان، فكان الصحابة جالسين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء به عثمان قال: {يا رسول الله! هذا ابن أبي السرح وهو يلتمس الأمان، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم بعض الوقت ثم أمنه، فلما انصرف، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ألا قام رجل منكم حين سكتّ فعلاه بالسيف فقتله؟ فقالوا: يا رسول الله، هلا أومأت إلينا، إشارة خفية منك يا رسول الله، ولو بطرف العين، كافية لأن نقوم بهذا العمل فتقول الرواية: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين} هذا هو الوضوح، فالداعية إلى الله جل وعلا، يجب أن يترسم خطى النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوح والصدق، في أقواله وأعماله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015