الخصلة الثالثة أو الشرط الثالث من شروط الداعية هو: الصدق.
وأول ما يتبادر من كلمة الصدق، هو الصدق في اللسان، ولكن الواقع أن الصدق يكون في القلب قبل أن يكون في اللسان، ولذلك يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] فحقيقة الصدق هي الإخلاص التام في القلب، ومنه يفيض الصدق على الجوارح كلها، فتكون أقوال الإنسان وأفعاله كلها تنطق بالصدق.
ومسألة الصدق قضية كبيرة ومهمة جداً، ويعجبني الحديث الذي رواه الترمذي وهو حديث صحيح، عن عبد الله بن سلام رضى الله عنه، وكان يهودياً فأسلم، قال: {لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وتحدث الناس به وسمعت بمجيئه ذهبت إليه، قال: فاستثبت في وجهه أي نظر في وجه النبي صلى الله عليه وسلم نظرة عميقة ومتأنية، واسمع رأي عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فمن خلال نظرة واحدة فقط على وجه الداعية، خرج بها عبد الله بن سلام رضي الله عنه، بنتيجة كبيرة جداًً قال: فلما نظرت في وجهه؛ عرفت أنه ليس بوجه كذاب، فسمعته يقول: أيها الناس، أطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام} .
وتدبر قوله: فلما نظرت في وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب، كم من الدعاة اليوم من إذا نظرت إلى وجهه، عرفت أنه ليس بوجه كذاب؟ وكيف يكون هذا؟ هذا يكون عن طريق ممارسة الصدق في الأقوال والأعمال، واتخاذه ديدناً للإنسان، حتى يتحول إلى خلق وسجيه لا يحيد الإنسان عنها بحال من الأحوال، حتى يألف الناس هذا الأمر منه، وتصبح أساريره تنطق بهذا.