ثامناً: يهوي الإنسان بعد ذلك ساجداً، وهل يقدم في السجود يديه أو ركبتيه؟ في ذلك خلاف طويل بين أهل العلم، وقد نقل الإمام ابن تيمية رحمه الله الإجماع على أن صلاة من قدم يديه أو ركبتيه صحيحة، وإنما الخلاف في الأولى والأفضل من ذلك، إذن ينبغي أيضاً أن نعطي هذه المسألة قدرها، فلا نعظمها ونضخمها، ونجعلها مجالاً للخصومات والعداوات والقيل والقال واختلاف القلوب، بل نبحثها بحثاً علمياً هادئاً رزيناً بعيداً عن التشنج والانفعال والإثارة، فنقول: من أهل العلم من قال: السنة أن يقدم الإنسان ركبتيه ثم يديه ثم جبهته بهذا الترتيب، وهذا الذي رجحه الإمام ابن القيم، ورجحه جماعة من علمائنا المعاصرين كسماحة الشيخ ابن باز وسماحة الشيخ محمد بن العثيمين وغيرهم من أهل العلم.
ومن أهل العلم من قال: السنة أن يقدم الإنسان يديه ثم ركبتيه إذا هوى إلى السجود، وكأن هذا أشبه وأقرب إلى السنة -أن يقدم الإنسان يديه ثم ركبتيه- وفي حديث أبي هريرة: {إذا سجد أحدكم، فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه} ومثله حديث ابن عمر بمعناه، وهو أصح من حديث وائل بن حجر الذي ذكر تقديم الركبتين قبل اليدين.
وعلى كل حال فسواء قدم الإنسان يديه أو قدم ركبتيه، فإنه ينبغي ألا يتشبه بالحيوانات في هذا الهوي، فإن الإنسان إذا انحط بجملته وكليته مرة واحدة كان متشبهاً ببروك البعير، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: {لا يبرك كما يبرك البعير} والتشبه بالحيوانات مذموم خاصة في الصلاة، فعلى الإنسان إن هوى بركبتيه أن ينزل تدريجياً، وإن هوى بيديه أيضاً أن ينزل تدريجياً.
ويقول: وعليه في سجوده أن يباعد جسمه بعضه عن بعض، فيباعد بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويرفع ذراعيه ليعطي كل عضو حقه من السجود.
ويقول في ذلك السجود: سبحان ربي الأعلى، والواجب مرة واحدة، وما زاد فهو من الكمال والفضل، ولما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] قال النبي صلى الله عليه وسلم: {اجعلوها في سجودكم} ويستحب له أن يكثر من الدعاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: {أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء، فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم} ومن الدعاء المشروع أن يقول: {سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي} وكذلك: {سبوح قدوس رب الملائكة والروح} وكذلك: {يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك} .