التفكك الاجتماعي في الجزيرة

أليس غريباً يا أهل القرآن! ويا حملة الرسالة! ويا ورثة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في علمه ودينه وشريعته، أن يكون الدين الذي نزل بمكة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير:27] أن يكون على مسافة كيلو مترات يسيرة من مكة نفسها، وبعد مضي ألف وأربعمائة سنة، وفي عصر التطور الإعلامي، وانفجار الاتصالات أن يوجد على مسافة كيلو مترات من مكة، من البلد الأمين من لا يفقهون من أمر دينهم شيئاً قل أو كثر؟! حتى حدثنا من زاروهم وجلسوا معهم من الدعاة، أنهم لا يتقنون سورة الفاتحة، ولا أن يصلوا، أما عن أوضاعهم المادية فحدث ولا حرج، لا تظن أنهم يعيشون في بيوت من الخشب -مثلاً- أو في منازل من الطين مهدمة، أو حتى في ظلال من الشجر، كل ذلك ليس موجوداً، وإنما الذي تعتبر حياته حياة جيدة، هو من يملك برميلين يضع فوقهما شيئاً يظلله، وبناته وزوجته وأطفاله من أذى الحر، فأين هداية القرآن عن ذلك؟ الذين يفترض أن يحملوا نور الهداية، ومشعل الهداية، والعدالة الاجتماعية، والإنصاف والتكريم، أن يحملوه إلى الشرق وإلى الغرب وإلى أمم الدنيا كلها، ما بالهم قعدوا وأقبلوا على قضيتهم الخاصة الشخصية، بل حتى لم يحسنوا الدفاع عن قضيتهم الشخصية، وتركوا دين الله تعالى، تركوه لمن؟ من سيدافع عن دين الله؟! ومن سيحمله؟! ومن سيدعو إليه؟! ومن سيبصر الناس به؟! هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى جواب.

ويا أهل الجزيرة العربية! أرجو ألا تجرحكم هذه الكلمات، فوالله الذي لا إله غيره إنها ليست كلمات متشفٍ، ولا مبغض، ولا كاره، وإنما كلمات من يحب لكم الخير، ويفرح لكم به، ويكره لكم الشر، ويخاف عليكم منه، فنحن نرى هذه النعم التي أنعم الله بها علينا، ونخشى أن يأتي اليوم الذي نتذكرها فيه باعتبارها تاريخاً مضى، لأننا عندما نقرأ القرآن ونجد السنن الإلهية الموجودة فيه، نعرف أن السنن هذه لم يأت فيها نص في القرآن ولا في الحديث يستثني أمة من الأمم، ولا شعباً، ولا دولة، ولا قبيلة من قانون ومن طائلة السنن والنواميس الإلهية الموجودة في القرآن.

فالذي حق على بني إسرائيل، وعلى الأمم السابقة كلها من آدم عليه السلام، إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم من بعد ذلك إلى يومنا هذا، لماذا لا يصيبنا؟ ولماذا نتوقع دائماً وأبداً أن ما نعيشه سرمدٌ لا يزول؟! لماذا لا نستحضر احتمال أن نفقد هذه النعم كلها أو جلها؟! خاصة ونحن نسمع الآن الكلام الكثير، والتقارير التي لم تعد سراً، بل أصبحت حديث وسائل الإعلام الغربية والشرقية، العربية والأجنبية عن الأزمة الاقتصادية التي تضرب بخناقها على العالم، وعلى الدول النامية، وعلى وجه الخصوص على دول الخليج والجزيرة العربية.

والمديونية الضخمة التي قد تختلف المؤسسات في تقدير أرقامها، لكنها لا تختلف في وجودها وضخامتها، أفلا يكفي هذا مؤشراً يهز عقولنا ورءوسنا، ويعيدنا إلى صوابنا، ويذكرنا بأن هذه بداية وليست نهاية، وأن هذا لون من ألوان التحذير الإلهي، الذي إذا لم نستجب له، ونصغ إليه، فإن له ما بعد؟! فالسنة ماضية والناموس الإلهي الذي حق على الأمم كلها والله لا يستثنينا من ذلك أبداً!.

يا أهل الجزيرة العربية! أتوقف هنا لأقول كلمة، وأنا أخشى أن أؤذيكم ببعض كلماتي، أو أجرح مشاعركم بهذا، وقد قلت لكم ما قلت، الله تعالى يقول على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86] .

والله إن دعاة الإسلام هم من أكثر الناس حرصاً على بلاد الإسلام، وعلى هذه البلاد، أن يصيبها سوء أو مكروه، وعلى أهل هذه البلاد الطيبين المباركين، أن يبتلوا بفقر، أو جوع، أو حرمان، أو خوف بسبب التقصير في أمر الله عز وجل، والبطء في القيام بشريعته عز وجل، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي ما تركه قوم إلا أحلوا بأنفسهم البوار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015