أيها الأحبة: يا أهل الجزيرة! فضلكم الله تعالى بهذا الوحي الذي أنزله على بلادكم، فهل غزوتم عالمكم اليوم بالقرآن؟ إننا نجد أن أمريكا -مثلاً- كدولة كبيرة ممكنة تحاول أن تغزو العالم بثقافتها من خلال شريط الفيديو، أو البث الإعلامي، أو المجلة، أو الكتاب، والوسائل الكثيرة التي يستخدمونها الآن، حتى إن الدول الغربية نفسها تعلن حالة الطوارئ -كما يقال- خوفاً من الثقافة الأمريكية.
في فرنسا -مثلاً- يخافون من الثقافة الأمريكية، وفي روسيا يخافون منها، بل وحتى في بريطانيا يخافون من الغزو الثقافي الأمريكي، الذي يغزو مسارحهم، ويغزو شاشاتهم، ويغزو عقولهم في النهاية.
وهم ماذا يملكون! فرنسا -مثلاً- على أي شيء تخاف من الثقافة الأمريكية؟! كل ما تملكه أو أكثر ما يميز الثقافة الفرنسية، والإعلام الفرنسي والتاريخ الفرنسي -وخاصة الحديث- أن يفتخروا بأشياء على أقل تقدير أن من بينها العري، فيرون المحافظة على تاريخهم، وخصوصياتهم، وتراثهم حتى ولو كانت هي العري! فضلاً عن التراث، فضلاً عن اللغة، فضلاً عما يعتبرونه هم أمجاداً أو ثورات مختلفة قدموها لشعوبهم أو للبشرية.
حتى العري في إعلامهم، وفي مجلاتهم، وفي مسلسلاتهم، يعتبرونه ميزة، وخصوصية لأمتهم يجب أن يحافظوا عليها في سبيل الغزو الأمريكي.
وفي ظل ذلك: أفيجدر بمن يقولون: إنهم يملكون سر الحياة، وسر الوجود، وسر الحقيقة، وهو كذلك، هذا القرآن الكريم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أفيجدر بهم أن يبيعوا ما لديهم بثمن بخس؟! وأن يتخلوا عن علمهم، ودينهم، وثقافتهم، وحضارتهم، وتاريخهم، وتراثهم العظيم، وتميزهم، وأن يتقبلوا ما يأتيهم من أمم الشرق والغرب، فيفتحوا له نوافذ البلاد، ونوافذ الشاشات، ونوافذ الإعلام، وبالتالي يفتحون له نوافذ العقول، حتى تتشكل القلوب والعقول على ذلك؟! وسلمني أمس أحد الشباب مجموعة من اللقطات التي صورها من بعض الشوارع في الرياض، فأجد فيها كلمات إنجليزية، وكلمات عربية، كلها ذات بعد ثقافي غربي، تنطلق من مسلسلات غربية، أو من برامج غربية، أو من أبطال -كما يسمونهم في بعض الأفلام- يشاهدونهم، أو من تاريخ وثقافة غريبة وأجنبية، فإذا كان الشاب المراهق الذي هو في الشارع ليس لديه ثقافة ولا خلفية، ولم يدرس هناك، ولم يتخرج من جامعاتهم إذا كانت هذه ثقافته التي يفرغها في مجلته أو صحيفته التي هي عبارة عن سور في الشارع، أو في دورة مياه -أكرمكم الله- أو ما شابه ذلك، فما بالك بمن يعكفون على مثل هذه الثقافة، ويتلقون ويأخذون عنها؟! أمة هذا تراثها، وهذا تاريخها، وهذا قرآنها، لماذا تتخلى عن ذلك وتذهب لتأخذ فكر الشرق والغرب، وثقافة الأمريكان أو غيرهم؟! بل وتتخلى عن رسالتها التي ميزها الله تبارك وتعالى بها؟! فأي شيء هذا يا أهل الجزيرة؟! جزيرة العرب! جزيرة الإسلام! جزيرة الأمجاد! جزيرة الحضارات! {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38] .