الخطاب الإسلامي وشموليته لكل الناس

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونصلي ونسلم على خاتم رسله وأفضل أنبيائه وخيرته من خلقه، نبينا وحبيبنا وإمامنا وقدوتنا وسيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعليكم أجمعين.

ثم أسلم عليكم جميعاً بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيا الله وجوهكم بالسلام، وأكرم وفادتكم يوم تفدون عليه في ذلك الموقف العظيم.

أيها الإخوة: كنت وما زلت حريصاً على أن يكون هذا اللقاء بعيداً عن أي روتين أو إلزام لي أو لكم، ومن هذا المنطلق كنت أحرص على ألا أجهز موضوعاً وأتعب في أعداده وتحضيره، كي لا أشق على نفسي أولاً، وحتى تعذروني من أي تقصير في إعداد الموضوع، أو تقديمه، أو استكمال جوانبه ثانياً، ولكني وجدت أن حضوركم وحرصكم وإلحاحكم وتكاثركم، -كثركم الله وبارك فيكم- يضغط علي شيئاً فشيئاً، ومع أني ما زلت متمسكاً برأيي إلا أنني وجدت أن البحث عن موضوع يلائم طرحه أنه يشغل ذهني جزءاً غير قليل من الأسبوع.

فطيلة هذا الأسبوع كنت متردداً بين عدد من الموضوعات كلها مهم وجدير، وكل واحد منها يدلي بحجته ليكون هو الأولى بالتقديم، وكان في ذهني أن أحدثكم هذه الليلة عن موضوع بعنوان (العُقد) وكنت سأتحدث فيه عن بعض ما أعتبره عُقَداً في التفكير تؤثر علينا من حيث نشعر أولا نشعر، مثل عقدة المؤامرة، ومثل عقدة الاستعلاء والفوقية، وسجلت رءوس أقلام في وريقة صغيرة معي، ثم وجدت أنه منذ أمس هجم علي موضوع هجوماً شديداً، وأحاط بي من كل جانب.

ووجدت نفسي منساقاً إلى أن أحدثكم عنه حديثاً عابراً، والموضوع الذي هجم علي عنوانه هو (يا أهل الجزيرة!) وأنتم تعرفون أنه أيام الغزو العراقي، وأحداث الكويت، وأحداث الخليج، كان هناك محاضرة ضمن سلسلة الدروس العلمية التي كنت ألقيها، كان عنوانها (يا أهل الكويت!) يعالج جراحهم، ويحاول أن يستفيد من الحدث لصالح الاستقامة والالتزام بشريعة الله تعالى وتصحيح الأوضاع والأخطاء التي لا بد أنها أفرزت ذلك الواقع الذي عشناه.

ثم بعد ذلك ربما بسنوات ألقيت درساً آخر ضمن الدروس العلمية كان عنوانه (يا أهيل الحرم!) وكان يتحدث عن بعض القضايا، لكن على سبيل الخصوص بمناسبة الحج، فكان له طابع الخصوصية.

أما اليوم فالموضوع الذي هجم عليّ أحدثكم عنه هو (يا أهل الجزيرة!) وأنتم على فضلكم إن شاء الله، وجلالة أقداركم عند الله بحوله وقوته إلا أنكم حفنة قليلة من أهل الجزيرة، فأحدث أهل الجزيرة من خلال حديثي إياكم، وأحدث العرب والمسلمين قريبهم وبعيدهم من خلال هذا العنوان.

إذ ليس في الإسلام عنصريات، ولا إقليميات، ولا تميز، فالمسلم بعيداً كان أو قريباً، من الجزيرة، أو من الشام، أو من العراق، أو من مصر، من بلاد العرب، أو العجم، أو الفرس، أو من أي أرض كان، المسلم الحق هو أخونا، وتعليم الله تعالى لنا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] .

ما بيننا عربٌ ولا عجم مهلاً يد التقوى هي العليا خلوا خيوط العنكبوت لمن هم كالذباب تطايروا عميا وطني كبير لا حدود له كالشمس تملأ هذه الدنيا في إندونيسيا وفوق إيران في الهند في روسيا وتركيا آسيا ستصهل فوقها خيلي وأحطم القيد الحديديا إذاً: الإسلام ليس له لون خاص، ولا عرق خاص، ولا جنسية خاصة، بل هو الدين الذي ذابت فيه جميع الفروق، وتكوَّن ذلك المجتمع المسلم ولو نظرت قائمة بأسماء الأوائل من أبطال الإسلام لوجدت فيهم العربي، والرومي، والكردي، والحبشي، ومن كل الأجناس والألوان، لأنه أنزل يوم أنزل رحمة للعالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015