الدول البعيدة عن هدي الإسلام، عاشت ألواناً من الاضطهاد عبر التاريخ بسبب نظرتها إلى الإنسان، وأن الإنسان متفاوت في أصل الخلقة، فعند الأمم الأخرى أن الناس ما خلقوا خلقه واحدة، إنما الناس عندهم على نوعين: هناك أشراف كبار عظماء خلقوا خلقة معينة، وأناس خلقوا عبيداً أذلاء وهذه النظرة موجودة عند اليهود مثلاً، كما يعبرون عن ذلك بنظرية شعب الله المختار، فاليهود يرون أنهم هم شعب الله المختار ويقولون كما يملي عليهم تلمودهم وكتبهم التي يزعمون أنها مقدسة: إن الأمميين -ويقصدون الأمم الأخرى من غير اليهود- ما هم إلا حمير خلقوا ليركبهم شعب الله المختار، وكلما نفق منهم حمار ركبنا حماراً آخر، وهذا النظرية هي التي تحكم دولة إسرائيل الآن.
وفي بعض البلاد كانوا يعتقدون أن عندهم طبقة الأشراف والسادة يجري في عروقهم دم أزرق مقدس، ولذلك لا ينالهم سوء، ولا تقام عليهم حدود، ولا يؤخذ منهم حق، ولا ينال منهم شيء، بل لا يملك أحد أن يجلس مع واحد منهم، حتى إنه في بعض تشريعات بعض الهنود وغيرهم؛ أنه لو جلس واحد منهم مع البرهمي فإنه يكوى، لماذا يجلس مع هذا الإنسان الذي له شرفه وله مكانته؟ وكذلك النظرية الغربية قامت على هذا المبدأ نفسه، حتى إن نظرية أفلاطون، أو جمهورية أفلاطون - كما يقولون- مبنية على أساس أن الناس ليست خلقتهم واحدة، بل خلقوا متفاوتين، خلقوا سادةً وعبيداً.
والحضارة الغربية اليوم أخذت من التراث الروماني واليوناني التي تميز بعض الناس عن بعض، ولذلك نظرتهم للمسلم اليوم متميزة، قد تقول: أين هذه النظرة؟ أولاً: النظرة عندهم للسود معروفة، لكن نظرتهم للمسلم بالدرجة الأولى متميزة جداً، يعتبرون من يسمونه بالمسلم، أو المتخلف، أو الفرد من العالم الثالث، أو الفقير، أو ما أشبه ذلك له نظره معينة، دمه رخيص مثل ماء البحر، يموت منهم عشرة، أو مائة، أو ألف، عشرة آلاف لا يهمهم ذلك، لك لو أُخذ غربي أو أمريكي رهينة أو رهينتين تقوم الدنيا كلها ولا تقعد من أجل هؤلاء.
بل حتى جنس النصراني يغالون فيه، ولذلك تشاهدون غضب الغرب على الشرق -روسيا- في تصرفها بقتل أربعة أو خمسة في جمهوريات البلطيق، يقتل من المسلمين ألوف فما يتحرك أحد، كما قيل: بالأمس مات لوممبا فانبرت رسل تبكي وتحكي ودمع العين هتان واليوم لا شاعر يحكي ولا صحف تبكي ولا مرسلات عندها شان حتى إن بعضهم ذكروا نكتة طريفة عن بعض الذين كانوا يستعمرون الدول الأفريقية التي كان فيها المسلمون، فهم يعتبرون أنفسهم في جميع الظروف أناساً متنورين، ومتمدنين ومتحضرين، والمسلم يعتبرونه متخلفاً مهما كان وضعه، فهم كانوا يقتلون المسلمين بأسلحتهم فأراد أحدهم أن يقتل مسلماً من المسلمين، فتمكن هذا المسلم أن يعضه، فعضه قبل أن يقتله، فيروي القصة لأحد زملائه، يقول: تصور كم هو متوحش هذا المسلم! إنه عضني حين أردت قتله، أي: أن عضة المسلم هذه وحشية، لكن قتله هو شيء حسن، لأنه نابع من الحضارة والتقدم والمدنية، هكذا يصورون، وهذا هو المنطق الذي يحكمهم، إن لم يحكمهم كأفراد؛ فإنه يحكم دولهم وأممهم بشكل ظاهر للعيان.