عاشوا ألواناً من التغيير لحقوق الإنسان والإغارة عليها، منها ما عاشوه سابقاً فيما يسمونه بالإقطاع، ووجود رب الأرض الذي يملك الأرض وما فيها من الأقنان والعبيد وهم يباعون مع الأرض بكميات كبيرة، على اعتقاد أن أصل هؤلاء خلقوا عبيداً لا حيلة فيهم، ولا يمكن تغيير ما خلقوا عليه، ووجدوا أيضاً إيذاناً آخر للإنسان من خلال ما يسمونه رب العمل، فكان رب العمل يملك أعداداً كبيرة من العمال، والذي يهمه هو زيادة الإنتاج، وجودة الإنتاج، ولو على حساب صحة العامل، ولو على حساب كرامته وعافيته، بل ولو على حساب حياته أحياناً، دون أن يكون للعامل أي ضمانات أو حقوق.
أما نظرة الإسلام للعامل -كما أشرت قبل قليل- حتى العبد الرقيق الذي يعمل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {إخوانكم جعلهم الله تعالى تحت أيديكم، تطعمه مما تطعم، وتلبسه مما تلبس، ولا تكلفه ما لا يطيق} لكن مع ذلك إن كثيراً من المسلمين اليوم أخلوا بهذه الحقوق، فأصبحنا نجد كثيراً من العمال في بلاد المسلمين يعيشون ألواناً من إهدار الإنسانية، تجد بعض العمال كأنهم مجموعة حيوانات في زريبة، بل يسكنون أحياناً في صنادق وغرف وأماكن، ربما لو كان عند الإنسان حيوانات ما رضي أن تسكن فيها، معرضة للبرد وللمطر، ومعرضة لكل شيء، وبصورة لا تليق بكرامة الإنسان وآدميته.
هذا فضلاً عن منعهم رواتبهم أحياناً، فضلاً عن الإساءة إليهم بالقول أو بالفعل، أو طردهم، أو بخس حقوقهم، أو ظلمهم بأي شكل من الأشكال، والباب واسع جداً لمن أراد أن يتلاعب أو يعبث، فمهما كان هناك من الأنظمة، ومهما كان هناك من المتابعات والملاحقات، إلا أن من أراد أن يعبث ويسيء ويأخذ حق هذا العامل؛ فإنه يستطيع بوسائل كثيرة يمليها عليه الشيطان، وتمليها عليه نفسه الأمارة بالسوء.
وهذا -أيها الإخوة- من الظلم الفادح الذي قد يكون سبباً في الهلاك، وسبباً في تعذيب الله عز وجل للأمم، فيجب أن ينتهي هذا الظلم، وأن تعرف أن هذا العامل الذي يكون تحت تصرفك هو أخوك المسلم، بل أقول: حتى لو كان العامل غير مسلم فالظلم لا يجوز، حتى الكافر لا يجوز ظلمه، إن كان كافراً ينبغي أن تستبدل به مسلماً، لكن حتى الكافر لا يجوز أن تظلمه، قال الله كما في الحديث القدسي: {يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا} .
كما عاشت الأمم الغربية من التسلط؛ أن هؤلاء العمال المضطهدين في الدول الغربية والشرقية، لما تحركوا وقاموا بما يسمى بالبروليتاريا، أو ما يسمى بثورة الشيوعية في روسيا، باسم العمال حكم القياصرة الجدد الشيوعيون، بدلاً من كون الإنسان كان إنساناً مسلوب الحقوق، أهدروه وسلبوا إنسانيته وألغوها منه، باسم العدل والاشتراكية العلمية، وإلغاء الملكية الفردية وغير ذلك.