أما الإسلام فإنه يعتبر أن قضية حفظ حقوق الإنسان جزءٌ من الدين، صحيح أن الإنسان يجب أن يعرف حقوقه ليطالب بها في حالة وجود من يمنعه بعض هذه الحقوق، فالإنسان يجب أن يعرف ما له من الحقوق، كما يعرف ماذا عليه من الواجبات، بمعنى: أن الدين جاء ليقول لك: أيها الإنسان، هذا مكانك في الإسلام، مثل ما أنك مطالب بأشياء تجاه زوجتك، وتجاه أولادك، وتجاه جيرانك، وتجاه مجتمعك، تجاه الدولة التي تعيش فيها، وتجاه القريب، والبعيد.
كذلك أنت لك حقوق على هؤلاء، فلك حقوق على زوجتك، ولك حقوق على ولدك، ولك حقوق على والدك، ولك حقوق على جارك، ولك حقوق على المسئول عنك، ولك حقوق على الدولة التي تعيش فيها، وكما أنت تؤدي الحقوق التي عليك، يجب أن تأخذ الحقوق التي لك، فالأمور هذه متلازمة.
وليس صحيحاً أن ينظر الناس نظرة واحدة فقط، كل الكلام الذي نسمعه -تقريباً أو غالباً- يتكلم عن شيء واحد، وهي الحقوق والواجبات التي عليك أن تؤديها، لكن الأشياء التي لك وينبغي أن تطالب بها وتأخذها، هذه قل من يتحدث عنها، ولذلك ضمر الإنسان، وقلَّت قيمته، وفقد أهميته، وأصبح يعتبر أن أي شيء يعطى له من حقوقه يعتبره هدية ثمينة، ومكرمة غالية، وإحساناً كبيراً، وفضلاً لا حق له فيه أصلاً، وهذا خطأ كبير.
أذكر أني قرأت كتاباً يتكلم عن وضع إحدى الدول قبل عشرات السنين، وكان فيها من يسمونه بالإمام، إمام جبار وظالم، كان يبخس الناس أشياءهم، ويعتدي على حقوقهم، وكانوا يعيشون في حالة من الفقر وشظف العيش، حتى إن الأطفال يأتون إلى المدرسة وهم أشباه العراة لا يكادون يجدون ما يستر عوراتهم، فجاء مدرس من المدرسين، وكان يجلس مع ذلك الذي يسمونه إماماً، فاقترح عليه لو وزع على الأطفال ملابس يستر بها سوءاتهم وعوراتهم، ويتقون بها من أذى الحر والقر، فتكرم وجاد وأعطاه ثوباً ثوباً، بعد أن مضت سنة جاء هذا الأستاذ نفسه، واقترح عليه مرة أخرى، وقال: أنت أعطيتهم العام الماضي وشكروا لك، ودعوا لك، وأثنوا عليك، وذكر أشياء، لكن لو أنك كررت هذه فإن نفوسهم قد تطلعت إليه، واشتاقت أن تعود بما أعطيتهم في العام الماضي في مثل مكانك، فقال: لا يمكن هذا أن يكون؛ لأنني إن أعطيتهم هذا العام مثل ما أعطيتهم العام الماضي ظنوا أن هذا حق من حقوقهم، ففي العام القادم لو لم أعطهم فيمكن أن يطالبوني به، وأنا لا أريد أن يفهم أحد أن عليَّ له حق من الحقوق، إنما يفهم أن ما أطيه هو فضل وتكرم وجود، إن أعطيته شكر وإن منعته رضي وصبر ودعا، واعتبر أن الأمر مني وإلي.
إذاً من الخطأ الكبير أن أتكلم عن الحقوق على الإنسان، ولا أتكلم عن الحقوق التي للإنسان، فإن الإنسان -بمقتضى كونه إنساناً كرمه الله عز وجل- ينبغي أن يعرف ماذا عليه من الواجبات فيؤديها، وفي المقابل ينبغي أن يعرف ماذا له من الحقوق فيطالب بها في حالة تأخرها أو تخلفها، لأن المشكلة عندنا ليست مشكلة الإنسان بذاته كفرد، إنما المشكلة مشكلة أمة، عندما تتصور أن فرداً واحداً كما في الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح لما قال: {اسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك} هذا صحيح لا إشكال فيه، لكن لو تصورت أمة كاملة وتسلب حقوقها، تسلب كرامتها ومكانتها، تسلب ما أعطاها الله عز وجل إياه بنص الكتاب ونص السنة، فإن معنى ذلك أن هذه الأمة كلها قد فقدت معنى إنسانيتها، ومعنى كونها أمة كلفها الله عز وجل بواجبات وأشياء لا تستطيع أن تقوم بها، لأنها جُردت من إنسانيتها حين سلبت هذه الحقوق التي هي لها في أصل الشرع.